الأخ العزيز أبو ماهر
"جينا نصيده صادنا"، كما يقول المثل الشعبي، مبادرة تقدير ومودة، ولقاء حميم اردناه اليوم، الاخوة من حولك والاصدقاء، في عيد ميلادك الثمانين، أمد الله بعمرك، وبالصحة والعافية بإذنه تعالى، وكعادتك، كنت السباق، بادرتنا بالافضل والأحسن، كتاب حياتك "مع الايام".. سيرة غنية صافية، وتجربة، كما وصفتها، متواضعة، قرأت اجزاءها الثلاثة الأول، وبكل الشوق انتظر صدور الاجزاء الاخرى..
اخي العزيز، لا يسعني، ولن احاول ان اضيف الى ما كتبه المناضل الكبير، الدكتور جورج حبش في "المقدمة"، كما لن اتطرق الى ما جاء في الاهداء، او الدعاء والابتهال، او في صفحة التقديم حيث السطر الاخير يقول: "سأكون شاكرا لكل من يسجل اية ملاحظات نقدية على ما قدمت، ويوافيني بها لأستفيد منها".. فهذا بعض من ابي ماهر، يحاور، ويناقش ويشاور، ويرى في النقد فرصة لتطوير النفس نحو الافضل، وبكل التقدير والامتنان، يقابله ويتقبله..
ماذا يعني لي ابو ماهر، الاجابة محسومة قطعا، واصبحت بحكم المسلمات لي، وللكثير من الذين عرفوه، وتعاطوا معه، او عرفوا عنه، لما له من موضع الاحترام والتقدير والمحبة، فكل من يعرفه، او يتعرف عليه، يجد فيه القيم الاخلاقية والوطنية والقومية، يجد السمعة الطيبة والروح الدمثة، الوفاء والصدق والاخلاص من طبعه، والبساطة والتواضع في خصاله، الى حد الزهد في الاشياء والاضواء والشهرة، صحيح انه في بعض الجلسات والاجتماعات قد يبقى هادئا، لكنه صعب، قد يتحول الى هجومي، لكن ببراعة المنطق وحرارته، من دون تشنج، وذلك عندما يدير مواجهة تسمى مواقفه المبدئية، فهو قوي الحجة، شجاع في إبداء الرأي، بحكم فضائل يختزنها ويختصرها في كلمات مغروسة في نفسه والوجدان، والحقيقة والعدل، في القضية الفلسطينية.. ليجعل من المواجهة، أداة تعبئة لحقوق شعبه، ورافدا اساسيا لردع التمادي في استباحة هذه الحقوق، لكل هذا، واكثر، ترسخت الثقة به عند اصدقائه والاقتناع بمرجعيته..
أبو ماهر، هذا الانسان، منذ طفولته وسنوات دراسته، الى جميع مراحل حياته العملية والنضالية في آن، اي ما يزيد على سبعة عقود من الزمن الواعي في ذاكرته، تبرز المسؤولية في تنشئته، ولها موقع الصدارة في كل مراحل حياته، نرى العقل في سلوكياته واسلوب عمله، مؤسسة قائمة بحد ذاتها... مؤسسة،هي فوق الافراد، والمسؤول فيها انسان يتجاوز كل انانية، يفكر بالآخرين ويعيش المسؤولية عن كل موقعه، وعن كل شعبه، بالصدق والامانة والجدية.. يتحرك، لا بعقلية المهنة والكسب لنفسه وعائلته، بل بعقلية صاحب الرسالة، أكانت هي التربية والتدريس، او التنظيم او غيرها من المجالات، اذ يجعل الانسان هدفه ومبتغاه، ولحقوقه وانسانيته موقع الجوهر..
من العقل المؤسساتي هذا، على الصعيدين الشخصي والعام، تصبح الشفافية والمحاسبة والمسؤولية ضرورة، والتنظيم الجيد والتخطيط الواعي والتنفيذ الحازم، ضرورة ايضا، كما الاسس والقواعد والمنهج الواضح السليم، ضرورة... مؤسسة تدار بعقل كهذا، هي العصية على الفساد والإفساد والمهادنة والتنازلات المجانية، والمشارك فيها، لديه من الروح النضالية أشدها، ينطلق من خطوة اولى، الى عمل اكثر جدية وفاعلية، والى عطاء ذي قيمة، لتصبح سلسلة القيم الناصعة، فضاء معركة فلسطين، معركة الحق والحقيقة والعدل، والفلسطيني فيها، يسعى الى الكمال، ويرقى بأدائه ليرتفع الى مستوى ساحتها الاخلاقية، يواصل الطريق وينتظر نصرا موعودا به، فالحق منتصر لأنه الحق، وصاحب الحق يخوض الصراع بالارادة، والاصرار والحزم والأمل، مطالب باسترجاع حقه، وهو المنتصر حتما، سيعود الى فلسطين التي لم تغادره، وعجز الاعداء عن اقتلاعها من داخله، يعود الى ارض الوطن، بكامل حدوده، والقائم في وجدانه ورغباته وعمله وارادته، ويعود الى قريته التي تنتظر عودة ابنها البار، بقدر انتظاره هو، فرصة الرجوع اليها، فمن يتابع سيرة ابي ماهر، المناضل الفلسطيني القومي العربي، يراها تجسد كفاح شعب فلسطين على مدى عقود.. فشعب فيه امثال ابي ماهر، لا يهزم، مهما اشتدت عليه الصعاب وتكالب عليه الاعداء.. ابو ماهر لم يهزم، على الرغم مما ألم بنا جميعا من نكسات وهزائم، بقيت قامته منتصبة، لمواصلة الطريق وتجديد عهد النضال، انه العناد الفلسطيني في الحق، وفي تقديم التضحيات، وفي الصبر والجلد وعدم الاستسلام لليأس.. هذا العناد الذي مثله ابو ماهر، يفرض علينا ان نتفاءل بانتصار الشعب الفلسطيني، ولو بعد عقود.. المهم ان تبقى الشعلة مضاءة متوهجة، كما كانت حياة ابي ماهر، وما زال أمد الله في عمره، مضاءة متوهجة..
فصبرا، صبرا جميلا، أن الله مع الصابرين...
رفعت صدقي النمر
اللقاء الثقافي الفلسطيني
بيروت في 21/9/2004
المصدر: الجزء الخامس من الكتاب
|

|
|
|