كتاب سحماتا -- تراث سحماتا -- عن الأغاني الشعبية -- من أغاني الأعراس
سحماتا باقية فينا
العادات والتقاليد
كان أهل القرية متمسكين بالعادات والتقاليد التي درج عليها الأقدمون... مشاركة في الافراح، مواساة في الاتراح، تعبيرا عن العلاقات الايجابية فيما بين العائلات، كثر عددها او قل وكانت لقاءات اهل القرية فيما بينهم لا تنقطع، منها لقاءات موسمية، واخرى يومية.
اللقاءات الموسمية
يلتقي أهل القرية بشكل جماعي في الأفراح والأتراح: ايام الاعياد وحالات المرض ومناسبات السفر... قراءة المولد والطهور والتهنئة بالولادة ومجاملات اخرى..
|
اللقاءات اليومية
وهي عبارة عن سهرات مسائية، لتبادل الاحاديث او الاستماع الى قارئ يتلو قصة احد الابطال التاريخيين، والبعض يتبارون في العاب التسلية: الدامة، الدومينو، والمنقلة ولعب الورق... وحتى في ساعات النهار يلتقي الرجال وخاصة كبار السن منهم في ساحة المنزول يتبادلون الاحاديث عن كل شيء.. سواء للتسلية وتقطيع الوقت، او لبحث شأن من شؤون القرية.. او اصلاح ذات البين بين جارين مختلفين.
ومناسبات اللقاء الموسمية كثيرة، سنشير في هذا المجال: الى العرس (الزواج) من مناسبات الفرح، والى الوفاة من حالات الترح..
|  |
العرس (الزواج)
تمر مرحلة الزواج بمحطات عدة...ولكل محطة سماتها:
1. الخطوبة
قلما كان العريس يختار عروسته بنفسه، بل كان الاهل هم الذين يختارون العروسة، ويعرضون الامر على ابنهم، وينوبون عنه بلقاء اهلها، ويطلبون ابنتهم.
بعد ذلك يقوم والد الخطيب بتوجيه عدد من وجهاء القرية لزيارة اهل العروس، وطلب يد ابنتهم للعريس المحدد... ويحددون قيمة المهر، المعجل منه والمؤجل...
بعد هذه الخطوات يأتي دور المأذون الشرعي الذي يقوم بعقد القران، وفق ما هو متعارف عليه، بعد ان يتأكد بنفسه وبشاهدين معه من موافقة العروس على الزواج.
|
2. التحضير ليوم الزفاف
عندما يحدد اهل العروسين موعد الزواج... يقوم اهل العريس بالاتصال بشاعرين من الشعراء الشعبيين ويدعونهما لحضور احتفالات زواج ولدهم، ويتفقون مع كل شاعر على الاجر الذي سيتلقاه.. ويبدأ اهل القرية بتجميع الحطب لليالي السحجة مع الشاعرين. تبدأ قبل اسبوع من يوم الزواج السهرات العامة:
النساء تجتمعن عند اهل العروس... يغنين، يرقصن..
الرجال يجتمعون في ساحة القرية (الرحبة)
توقد النيران في الساحة، ويصطف الشباب في صف طويل، ويبدأ الشاعران بالحداء... يهنئان اهل العروسين، واهل القرية في البداية... ثم يبدآن بمهاجمة بعضهما، ليثبت كل واحد منهما انه الأقدر والاكفأ.. |

كامل علي قدورة
الشاعر الشعبي
(إبن قرية سحماتا).. |
|
واعتادت نساء القرية انهاء السهرة عند اهل العروس باكرا ليتسنى لهن الذهاب الى الرحبة لمشاهدة السحجة، وحفلات الدبكة، ويستمعن الى اقوال الحدائين...
وتستمر الحالة على هذا المنوال طيلة الايام التي تسبق يوم الزفاف.
|
3. ليلة الحنّاء
ليلة اليوم الذي يسبق ليلة الزواج، تجتمع النسوة في بيت العروس ويقمن بتزيين كفي يدي العروسة وقدميها بالحنا... وتطال هذه العملية بعض فتيات القرية اللواتي يتفاءلن ان الدور سيلحقهن.. تترافق هذه العملية بحفلة غناء ورقص حتى منتصف الليل.. اما العريس فيكتفي بتزيين خنصر يده اليمنى بالحنّاء.
4. حمام العريس وحلاقة شعر رأسه وذقنه
صباح اليوم التالي.. يتوجه الشباب الى بيت العريس، ويدخلونه الحمام بأهازيج شعبية، وكلهم يتمنى ان
| 
أهالي سحماتا و أنصارهم في صف "سحجة" على أرض القرية المهجرة... |
يلحقه الدور.. وبعد الحمام يأتي الحلاق وتتجمع النسوة، وخاصة من اقارب العريس، ويبدأن بالغناء، ويتوجهن للحلاق بقولهن:
زينو يا مزيّن بالله عليك
جلّخ مواسك وخفف ايديك
لاتجرحلو خدو بدعي عليك...
5. الصمدة
بعد ذلك تذهب النسوة الى بيت العروس، ويرافقنها الى منزل قريب او صديق للعائلة يكون قد اتفق مع الاهل لتقضي يوم الزفاف بضيافته..
وكذلك يفعل الشباب مع العريس، وينتقلون معه الى منزل الصديق او القريب المتفق معه وتبقى حفلات الغناء والرقص عند العروس، والشعر والدبكة عند العريس، حتى ينتهي الاهل من تقديم الغداء لأهل القرية ولكل المدعوين من خارج القرية.
6. الشباين
يختار اصدقاء العريس من بينهم شابين يرافقان العريس طيلة يوم العرس... ويكونان مسؤولين عن كل تحركاته، وينوبان عنه بتحية المهنئين، ويلتزم العريس بما يقرران، فلا يتحرك من مكانه الا بموافقتهما... لا يفارقانه طيلة اليوم...
7.الطوفة
بعد ان يتناول المدعوون طعام الغداء، يتوجه الجميع الى بيادر القرية، يتقدمهم العريس راكبا فرسا مطهمة، ويسير الى جانبه الشباب، وهناك يتبارى الفرسان في سباق الخيل، وتعقد حلقات الدبكة.. حتى تقترب الشمس من المغيب... فيعود الجميع بنفس حالة الابتهاج الى البيت الذي كان معزوما به...
وعند المساء يتوجه الشباب الى البيت الذي تتواجد به العروس.... ويطلبون من النساء الخروج من البيت مع العروس، وتركب الفرس المعدة لهذه الغاية، ويذهب الجميع رجالا ونساء بالاغاني والاهازيج الى بيت اهل العروس لتودع والديها، وافراد اسرتها... وبعد ذلك يتوجه الجميع ومعهم العروس الى بيت العريس...
وكانت العادة ان تضع العروس قطعة من العجين على باب منزل الزوجية عند وصولها اليه تيمناً بالخير...
ومن هناك يتوجه الشباب الى حيث يتواجد العريس... ويرافقونه بزفة الفرح والبهجة الى بيت الزوجية... فيدخل الى حيث عروسه، وتكون قد وضعت خمارا على وجهها، فيرفع الخمار ويسلم عليها... ويعود الى خارج المنزل، فيقبل يد والده، ويطلب رضاه، ويشكر اهل القرية... ويعود الى عروسه... عندها تنصرف النسوة وينصرف الجميع الى منازلهم متمنين للعروسين التوفيق والسعادة.
8. الصبحية
تنهض والدة العريس باكراً، وتهيء للعروسين طعام الافطار، وتذهب مع والد العريس وافراد اسرته الى بيت الزوجية، فيستقبلهم العروسان ويتبادلان التهاني وطعام الافطار معا...
وبعد ذلك يتفرغ العروسان واهلهما لتقبل التهاني.
9. النقوط
اعتاد اهل القرية في اطار التعاون فيما بينهم تقديم بعض الدراهم للعروسين.. تتوقف قيمتها على الوضع المادي لمن يقدم النقوط... وتتولى استلام وتقديم النقوط إحدى نساء القرية قائلة بنغمة غنائية:
"خلف الله عليك يا فلان او فلانه، وهذا نقوط للعريس (او للعروس) وعقبال لعندك، نفرح منك (اذا كان اعزب او عزباء) او عقبال ما نفرح من اولادك، (اذا كان رب عائلة).
تعاون اهل القرية لا يتوقف على المشاركة المعنوية في التعبير عن ابتهاجهم بل يتعدى ذلك الى المشاركة المادية في المجالات التالية:
1. المساهمة بجمع الحطب لليالي السحجة، ولطهي الطعام على النار.
2. المساهمة بتقديم مواد تموينية مثل السكر، الرز، البرغل، الزيت، السمن حتى البصل.
3. تشارك النسوة بطهي الطعام وتقديم الاواني لسكبها للمدعوين.
4. يستقبل اهل القرية الضيوف من خارج القرية، ويتوزعون استضافتهم.
5. بعض الاهالي يقدم خروفاً او رأس ماعز لأهل العريس.
انها روح المحبة والتعاون المنتشرة بين اهل القرية..
|
الاتراح (الجنازة)
كما يشارك اهل القرية بعضهم بعضا في أفراحهم، يواسون بعضهم بالاتراح... عندما توافي المنية رجلا او امرأة من اهل القرية، ينادي المنادي قائلا: "يا سامعين الصوت، يا اهل قريتنا... نعزيكم بوفاة المرحوم (المرحومة)... وسيتم الدفن بعد صلاة الظهر، والحاضر يعلم الغائب".
وكان هذا النداء يعني تعطيل الاعمال بشكل عام، للمشاركة في الدفن، وتقديم التعازي واستقبال المعزين من خارج القرية...
والمشاركة التي اعتاد اهل القرية بين بعضهم في الافراح، يقومون بها بالاتراح، فيجمعون الحطب لمواقد النار، وطهي الطعام، وتقديم المواد
| 
|
التموينية، واستضافة المعزين من خارج القرية... كما كان بعض وجهاء القرية، او اصدقاء عائلة المتوفي، يتبادلون دعوة اهل الفقيد (الفقيدة) لتناول الطعام، لعدة ايام.. ويشاركون في التعزية بحلول اليوم الثالث للوفاة، ويوم مرور اربعين يوما...
وفي هذا المناخ من العادات والتقاليد الذي عاشه اهالي سحماتا، التي زودنا بها "كتاب سحماتا" لا بد لنا من ان نذكر ما ورد فيه عن:
المنزول (الديوان)
كان مختار القرية، او شيخ الحارة، او وجيه العائلة، يخصص في بيته مكانا يسمى الديوان او "المنزول" يستقبل فيه، شيوخ القرية والجيران والضيوف... يفرش الديوان بالحصير المصري، تعلوه الطراحات، والمساند والمخدات، وجلد الخروف المدبوغ "السطيح". والبساط المزركش احيانا..
ولصاحب الديوان موقع خاص به... يحيط نفسه بمنقل من النحاس (كانون) يحتوي عدة مصبات نحاسية للقهوة السادة، والى جانبه صينية، وفناجين القهوة... والجرن والمهباج والمحماسة...
ما اروع صوت المهباج يدق في الجرن، يعتبره ابناء القرية رمزاً لأمجاد الجدود.... وهو بمثابة دعوة لبدء اللقاء.... او ايذانا بوجود ضيف ينبغي الترحيب به.
كان الديوان ملتقى يبحث فيه رواده المصالح العامة، ويعالجون قضايا خاصة... الى جانب ذلك كان الديوان بمثابة دار ضيافة للغرباء الذين يفدون الى القرية بمهمات اجتماعية واحيانا بمهمات رسمية... (مفتش المدارس، جابي الضرائب، دورية البوليس... الخ)
كان الديوان في امسيات الشتاء "بشكل خاص" ملتقى يستمع فيه رواده الى قارئ مفوه يتلو عليهم فصولا من قصص الخالدين، وسير السابقين... قصة عنترة بن شداد، قصة الزير ابو ليلى المهلهل، سيرة بني هلال، وتغريبتهم، قصة حمزة البهلوان... الخ. وكان القارئ اذا وصل الى موقف يكون فيه البطل مأسورا، او محاصرا او متضايقا... وأحب ان ينهي التلاوة، لتأخر الوقت... يصر عليه الحاضرون ان لا يترك البطل مأسورا او محاصرا او متضايقا... بل يجب الاستمرار في القراءة حتى يفك الحصار عن البطل ويفك اسره.
واعتاد بعض اهل القرية (الذين تسمح لهم اوضاعهم المادية) المشاركة بشيء من نفقات الديوان اذا اقتضى الامر ذلك... وخاصة اكرام الضيوف.
كتاب سحماتا -- تراث سحماتا -- عن الأغاني الشعبية -- من أغاني الأعراس
|