|
|
وليد قدورة
فلسطين : لحظة الحقيقة
آن للضمير العالمي أن يصحو و أن يستيقظ ، فيقر عملياً الاعتراف بدولة فلسطينية . فلسطين كيان قائم بذاته منذ مئات السنوات . الظلم الذي لاحق أهلها تاريخياً ، و محاها جغرافياً وصل إلى مستوى يتناقض مع كل ما هو مكتوب في القرارات الدولية ، و ما يتفوه به البشر من قيم أخلاقية ، و ما تحتويه المواثيق الإنسانية . تكريس الإحتلال يمثل بركاناً خامداً يمكن أن يتفجر في أي وقت إذا لم يتم إلغاؤه أو إزالته.
من المستحيل ، فلسفياً و فكرياً ، أن يبقى الإحتلال الإسرائيلي جاثماً على صدور ملايين الفلسطينيين بينما تلاشت كل أشكال الإحتلالات من على وجه الكرة الأرضية ، و لو نجح أي احتلال أن يطيل عمره لحقبة ما ، فإن سنة الكون و قوانين الطبيعة هي أن لا يستمر إلى أبد الآبدين ، و هذا ما لم تستوعبه بعد العقلية العنصرية الإسرائيلية ، رغم تباهيها بكل الإنجازات العلمية التي حققها أفراد أو مؤسسات ساهموا في بناء هذا النموذج المغتصب.
ما الذي يصبو إليه الفلسطيني العادي؟
أحلام لا تتجاوز ما يحظى به كل إنسانٍ على وجه البسيطة. دولة مستقلة لها علمٌ ونشيد ، و لها حدودٌ معترف بها ، محمية بجيش و مؤسسات مدينة حضارية خاليةٍ من الفساد ، تنسجم مع لغة العصر و مفاهيمه ، دولة لها ميناؤها الجوي ، مرفأها ، و مكوّناتها الفعلية المستفيدة من عشرات آلاف الكفاءات الفلسطينية المتعلمة، و المثقفة ، المبعثرة في كافة أصقاع الأرض.
يحلم الفلسطيني البسيط بجواز سفر ، يتيح له التنقل بحرية ، دون أن يكون موضع اتهام أينما مرّ و كيفما عبر ، و أن يحس بالأمان الذي ينعم به كل كائن حي وجد أو نشأ على وجه هذه الأرض ، و يودّ لو يتذوق طعم الكرامة التي ينعم بها غالبية البشر ، و لذة الأمان اليومي المفقود عنده منذ عقود ، و يتمنى هذا المخلوق البسيط ، لو يستفيق ذات صباح ، فيجد أن الأرض انشقت و ابتلعت الحواجز الشائكة التي تقف عائقاً يردعه من أن يملي عيناه منظر قراه و مدنه و بيوته التي أجبر قسراً على مغادرتها ، و التي تحاصر مخيماته و تجمعاته أينما حلّ أو أقام ، و يتمنى ، هذا البسيط أن لا يكون مستقوى عليه حيناً ، أو مستخدماً حيناً آخر ، أو مطارداً دوماً ، بلقمة عيشة أو جنسيته غير المعترف بها.
إنها أحلام ممكنة التحقيق ، لو أن الضمير العالمي وفق بين ما يحكي و ما يفعل . فلا يتنكر للحقيقة التي دعت إليها كل الشرائع السماوية و المبادئ التي اعتنقها كل من يخفق قلبة بعشق الإنسانية ، و الانسجام بين ما يدعو إليه و يفعله.
إنه أيلول ، بداية الاقتراب من التجلي و الوضوح ، حيث تتجه الأنظار إلى المنبر العالمي الذي عجز في العديد من المرّات عن أن يكون متصافحاً مع توصياته و قراراته ، و حيث يقف العالم أمام خيارين لا ثالث لهما : النكوص عما التزم به ممثلو سكان الأرض من تعهدات وراء الكواليس ، أو الإقرار بحقيقة بسيطة أن هناك شعباً مبعثراً في شتى الأنحاء يصر على الانبعاث من جديد على أرضه و بين أشقائه و جيرانه و أصدقائه . على أن خذلان هذا الفلسطيني مرة جديدة ، و في ظل هذا الحراك الدنيوي ، و العالم الجديد الذي يتشكل ينبئ بما لا يحمد عقباه من حروب و أزمات ليست في مصلحة أحد ، إنها لحظة الاقتراب من الحقيقة ، ناصعة جلية ، فدعونا نراقب ما يحدث ، و تأمل أن يستفيق ذوو الضمائر من سباتهم العميق.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
27/8/2011
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|