|
|
وليد قدورة
اغضبوا
أكثر بقليل من مائة هو عدد صفحات كتيّب " اغضبوا" الذي أصدره المقاوم للنازية و السياسي الفرنسي ستيفان هسل ، و الذي يلاقي حالياً رواجاً منقطع النظير في الغرب ، حيث وصل توزيعه إلى حوالي مليوني نسخة.
هل لترجمته الجيدة المتقنة من صالح الأشمر ، صلة بالربيع العربي ؟ هذا أمر يعرفه المترجم و "دار الجمل" وحدهما ، و هل لهذا الإقبال الكبير من جانب الأوروبيين استذكار للثورات الطلابية و الهبّات التي حدثت في أوروبا بالخمسينات ، و حنين إلى تلك المرحلة ؟ الكتّاب الأذكياء هم الذين يعرفون ما تخفيه صدور القراء ، و ما يخبئه الجمهور من اشتياق إلى الماضي ، لاختيار الوقت المناسب و الفرصة الرابحة لتقديم مؤلفاتهم ، و إلّا كيف تفسر هذا التسويق الهائل لكتيب تدور محاوره حول فترة الأربعينيات من القرن الماضي ، بينما يرتكب شاب نرويجي مجزرة إرهابية ، لها كل مواصفات العنف الدموي الذي يستنطق النازية كأيديولوجيا ترمز إلى التعصب و الكراهية ؟ و في بلدٍ عاني من ويلات الإحتلال الهتلري ، و فظاعة أعماله ؟
الكاتب الفرنسي يركز على نقطة في غاية الأهمية هي أن سيطرة المال و سطوته أضحت بلا كوابح تلجمها أو تضع لها حداً ، و لا يستوعب الكاتب عجز الدول الصناعية عن تأمين تكاليف المواطنين و الحفاظ على هيبة الدولة ، فيما استطاعت المؤسسات أن توفّر ذلك في ظروف الإحتلال النازي السبب " أن سلطان المال الذي كافحته المقاومة بحزم لم يكن يوماً ، قوياً ، متغطرساً ، و أنانياً ، كما هو اليوم ، مع خدامه المتحصنين حتى في أعلى مراكز النفوذ في الدولة."
الغضب، و هنا لبّ الموضوع، هو الحافز إلى المقاومة، هدف الكتيب الذي أصدره ستيفان هسل . الأفراد و الشعوب الذين لا يعرفون الغضب، كائنات مستكينة خائفة يصعب أن تحمل الراية و تتقدم إلى الأمام. ينبغي عدم الإستسلام لما هو قائم، هذا ما يحذر منه الكاتب " عندما يغضبكم أمر ما، يغدو كل منكم مناضلاً قوياً ملتزماً، و ينضم إلى تيار التاريخ هذا، و لا بد لتيار التاريخ أن يستمر بفضل كل واحدٍ منكم.
يحث الكاتب الذي تجاوز التسعين من عمره الأساتذة أن يعلموا تلاميذهم و شبان هذا العصر أموراً بسيطة و هي تبيان الأسباب الواضحة للالتزام ، و استرجاع مثل المقاومة للفاشية ، بما فيها من نبلٍ و عدم الرضا عن بقاء الاحتلال ، الغضب عند الكاتب لم يكن وليد انفعال بل ثمرة إرادة الالتزام " و هو يستشهد بما قاله سارتر : " أنتم مسؤولون من حيث أنكم أفراد" ليصل إلى نتيجة موداها أن الفرد يجب أن يلتزم بمسؤوليته ككائن إنساني.
تحديان كبيران يدعوان إلى الغضب ، كما يقول الكاتب العجوز : الهوة الكبيرة بين الأغنياء و الفقراء " فأفقر الناس في عالم اليوم لا يكاد أحدهم يكسب دولارين شهرياً " و آخرون يهدرون المال بالملايين ، يأسف الكاتب لأن الشعوب نادراً ما تتعظ من تاريخها الخاص ، و تستهويه تجربتا مانديلا و مارتن لوثر كينغ اللذان بعثا برسالة أمل إلى شعوبهما ، و لذا يحمل كتيبه دعوة إلى إدارة الظهر للعنف . فالعنف يولي ظهره للأمل ، و لا بد من تفضيل الأمل عليه ، " أمل اللا عنف" على حد قوله ، و يستطرد قائلاً " إذا كان ثمة أمل عنيف فهو في شعر غيوم أبولنس " كم هو عنيف الأمل " لا في السياسة.
يقول الكاتب أن غضبه ضد الظلم مازال متقداً و لم يفتر ، لذا يدعو إلى عصيان سلمي حقيقي ضد وسائل الإتصال الجماهيرية التي لا تشجع الناس سوى على الاستهلاك الجمعي ، و احتقار من هم أضعف ، و اهمال الثقافة ، و فقدان الذاكرة المعمم ، و المنافسة القاسية التي يخوضها الجميع ضد الجميع ، و ينهي مناشداً صانعي القرن الواحد و العشرين : الابداع هو المقاومة ، و المقاومة هي الابداع ، فاغضبوا.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
19/8/2011
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|