صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


الأصدقاء القدامى

معدودون على أصابع اليد ، قلائل . مبعثرون في شتى الأصقاع ، نتلهف على سماع أخبارهم ، ينتابك الأرق لو مسّ أحدهم مكروه ، و ينعش قلبك ما تحمله إليك أصواتهم عبر الهواتف ، أو تنقله لك تعابير الوجوه . هذا ما يؤول إليه حال هذه الحفنة من الأصدقاء القدامى الذين كانت لك معهم أعواماً حافلة بالذكريات العتيقة ، مازالت تدغدغك عندما يسترجعها عقلك الباطني . الصداقة تتماهى مع الحب ، تعبر بين ضفتي الذكريات و الإخلاص ، تتهادى على سطح الوفاء ، و تحطّ على شاطئ الطمأنينة و الأمان ، و قدامى الأصدقاء ، كأنهم ، عصارة العمر ، و خلاصة الحياة ، و كأنهم مرّة ثانية ، ما كسبته من رصيد بشري يؤول في نهاية الأمر إلى الفناء الحتمي و لكن وجوههم تطل عليك حتى الشهقة الأخيرة من أنفاسك . ربما سمعتها من أحدهم ، أو كانت صدى لنداء شخصي ، " أعطني صديقاً حقيقياً ، و خذ عمري" ، و أي عمرٍ ذاك الذي يمكن أن تقضي ما تبقى منه بدون هؤلاء ؟!

عابرون ، كثيرون هم الذين اتكأوا عليك ، أو اتكأت عليهم ، ذات يوم ، ثم أداروا لك الظهر حاملين معهم جزءاً من حضورك متبرعين بكشف بعض شرورك و آثامك و خطاياك . هؤلاء هم العابرون ، الذين استخدموك إسفنجة تمتص أوجاعهم ، فأودعوك رواياتهم الحزينة ، و أراحوا أنفسهم ببث لوعاتهم و مآسيهم ، و بلمح البرق ، استيقظت باحثاً عن بقاياهم ، فلم تجد لهم أثراً ، أما الأصدقاء الحقيقيون ، و هم من الصنف النادر ، فهم الذين تغاضوا عن عيوبك ، و أودعوا في دواخلهم أسرارك ، و مدحوك في غيابك ، و لم يحفظوا في ذاكرتهم ، إلا الوجه الطيب ، لك . و الذين إذا ضاق بك الحال ، وجدت في نبرتهم التلقائية الهادئة ، و صدق عواطفهم ، و نبل مشاعرهم ، و ما يحسسك أن الجمال السري المستتر الكامن في هذا الكون ، إنما يندلع كالشهب عبر دعمهم و تشجيعهم ، و عرفانهم بالجميل ، و ما يعوّضك عن خسائر جسيمة حاقت بك على درب الحياة.

قالها لي أحدهم ، أن هؤلاء الأصدقاء يصبحون أكثر روعة بالتقادم ، و أنهم كالنبيذ الفاخر الذي تزداد جودته كلما تعتق ، فأجبته أن المحن تكشف الأصدقاء الحقيقيين ، و أن الذهب الأصلي ينجلي كلما ازداد حكه و فركه.

في هذا الزمن ، الذي تكاد تنقرض فيه الصداقة و تتلاشى ، فإن أجيالاً تتحسر على رفاق العمر ، الذين جبلت أرواحهم بحبال المودة ، و توثقت عرى محبتهم برباط من العواطف و القيم الأخلاقية التي تكاد تصبح في خبر كان ، فيا عزيزي ، قبل أن تنام كل ليلة عليك أن تسأل سؤالاً بسيطاً ، كم من صديق كسبت أو خسرت هذا اليوم ، و أن تجيب على ذلك بمنتهى الشفافية قبل أن تبدأ بمناقشة الموضوع التالي.




وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

2/7/2011




العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600