|
|
وليد قدورة
الأصدقاء القدامى
معدودون على أصابع اليد ، قلائل . مبعثرون في شتى الأصقاع ، نتلهف على سماع أخبارهم ، ينتابك الأرق لو مسّ أحدهم مكروه ، و ينعش قلبك ما تحمله إليك أصواتهم عبر الهواتف ، أو تنقله لك تعابير الوجوه . هذا ما يؤول إليه حال هذه الحفنة من الأصدقاء القدامى الذين كانت لك معهم أعواماً حافلة بالذكريات العتيقة ، مازالت تدغدغك عندما يسترجعها عقلك الباطني . الصداقة تتماهى مع الحب ، تعبر بين ضفتي الذكريات و الإخلاص ، تتهادى على سطح الوفاء ، و تحطّ على شاطئ الطمأنينة و الأمان ، و قدامى الأصدقاء ، كأنهم ، عصارة العمر ، و خلاصة الحياة ، و كأنهم مرّة ثانية ، ما كسبته من رصيد بشري يؤول في نهاية الأمر إلى الفناء الحتمي و لكن وجوههم تطل عليك حتى الشهقة الأخيرة من أنفاسك . ربما سمعتها من أحدهم ، أو كانت صدى لنداء شخصي ، " أعطني صديقاً حقيقياً ، و خذ عمري" ، و أي عمرٍ ذاك الذي يمكن أن تقضي ما تبقى منه بدون هؤلاء ؟!
عابرون ، كثيرون هم الذين اتكأوا عليك ، أو اتكأت عليهم ، ذات يوم ، ثم أداروا لك الظهر حاملين معهم جزءاً من حضورك متبرعين بكشف بعض شرورك و آثامك و خطاياك . هؤلاء هم العابرون ، الذين استخدموك إسفنجة تمتص أوجاعهم ، فأودعوك رواياتهم الحزينة ، و أراحوا أنفسهم ببث لوعاتهم و مآسيهم ، و بلمح البرق ، استيقظت باحثاً عن بقاياهم ، فلم تجد لهم أثراً ، أما الأصدقاء الحقيقيون ، و هم من الصنف النادر ، فهم الذين تغاضوا عن عيوبك ، و أودعوا في دواخلهم أسرارك ، و مدحوك في غيابك ، و لم يحفظوا في ذاكرتهم ، إلا الوجه الطيب ، لك . و الذين إذا ضاق بك الحال ، وجدت في نبرتهم التلقائية الهادئة ، و صدق عواطفهم ، و نبل مشاعرهم ، و ما يحسسك أن الجمال السري المستتر الكامن في هذا الكون ، إنما يندلع كالشهب عبر دعمهم و تشجيعهم ، و عرفانهم بالجميل ، و ما يعوّضك عن خسائر جسيمة حاقت بك على درب الحياة.
قالها لي أحدهم ، أن هؤلاء الأصدقاء يصبحون أكثر روعة بالتقادم ، و أنهم كالنبيذ الفاخر الذي تزداد جودته كلما تعتق ، فأجبته أن المحن تكشف الأصدقاء الحقيقيين ، و أن الذهب الأصلي ينجلي كلما ازداد حكه و فركه.
في هذا الزمن ، الذي تكاد تنقرض فيه الصداقة و تتلاشى ، فإن أجيالاً تتحسر على رفاق العمر ، الذين جبلت أرواحهم بحبال المودة ، و توثقت عرى محبتهم برباط من العواطف و القيم الأخلاقية التي تكاد تصبح في خبر كان ، فيا عزيزي ، قبل أن تنام كل ليلة عليك أن تسأل سؤالاً بسيطاً ، كم من صديق كسبت أو خسرت هذا اليوم ، و أن تجيب على ذلك بمنتهى الشفافية قبل أن تبدأ بمناقشة الموضوع التالي.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
2/7/2011
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|