صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


مرايا العصر

مفردات اللغة تتماهى مع حركة التاريخ هي الأخرى . إذا كان التلاقح بين الحضارات يشكّل إضافة للغة ، فإن النتؤات القاسية ، و الانعطافات الحاسمة تخترع بدورها الفاظاً جديدة ، ليس ضرورياً أن تكون هذه الألفاظ مستحبة ، و لا أن تكون مستحسنة أو مرغوبة . إنها تتماشى غالب الأحيان مع حجم البطش المسلّط على الشعوب ، و لذا فإنها إذا بدت مستهجنة و غريبة و شاذة عن القاموس المتداول ، فإنها تقحم حروفها إقحاماً وحشياً عندما تتأزم الأمور. عجيبة هذه العيّنة من الكلمات المرادفة لثورات الشعوب عموماً ، و التي تثير لا الاشمئزاز و الرعب فقط ، بل أنها ترمز لقوى خفية كامنة مستترة مهمتها تكريس الخوف و تمجيده في قلوب الأفراد و الجماعات ، و منع الوهن من أن يضعفه أو يمسه .

ليست مفردات فقط ، إنها شبكات جسدية و ثقافية متغلغلة في أوساط الأمة ، و في عقولها و قلوبها أيضاً ، قدرها السيء أن تكون مسؤولة عن الأخطاء و الخطايا التي ترتكبها الطبقة السائدة ، و أن تكون المشجب الذي يعلق الجلادون عليه ثيابهم القذرة . قبل عدة عقود ، كان "الطابور الخامس" مسؤولاً عن كل ويلات الشعوب و الدول ، هذا ما كانت تبثة الإذاعات و تدعّمه الحكومات ، فكل عملٍ عنفي ، أو جريمة سياسية غامضة ، أو موت مبهم لزعيم ، لا بد أن يكون وراءه - طابور خامس- حتى أصبح الخاصة و العامة يستسهلون إلقاء التهمة على هذا الطابور دون التفتيش عن أصوله اللغوية أو البحث عن حقيقة معناه ، في كثير من الروايات الأدبية العربية دَرَج قبل عقود استعمال تعبير " زوار الفجر" ، الذين أنجبت أفلاماً ، و حيكت قصصاً أسطورية عن مداهاماتهم ، و صناعتهم للأحداث ، فأضحت المؤسسات الشرعية تتنصل من كل فعلٍ قميء ، و تلقيه على كاهلهم ، و أضحى متداولاً أن "زوار الفجر" هؤلاء ، لا مرجعية لهم ، و أنهم يعيثون في الأرض فساداً دون رقيب أو حسيب ، فكل فنانة قتلت أو انتحرت ، كان ل -زوار الفجر - ضلعٌ في نهايتها المأساوية ، و كل صفقة مشبوهة كان هؤلاء وراءها ، و كل طلاقٍ بين إثنين يكون الزوار خلفه ، هذه المبالغة المفرطة كانت تحمي سمعة أصحاب القرار ، و تبرئتهم من أي ذنب ، و تجعل صورتهم الناصعة أكثر بياضاً ، فيما القلة الموظّفة تكسب العداء الكريه المتعاظم يوماً بعد آخر.

في أيامنا هذه ، هبطت على اللغة العربية مفردات جديدة ، لا يعلم بالضبط هل جرى احياؤها ، أم أنها كانت محنطة و بعثت الروح فيها مرةً أخرى بقدرة قادر . علينا أن نستنجد بكل المعاجم لنصل إلى حقيقة " البلطجية" ، فهل يكون جذرها عائداً إلى "البلطة" التي كانت تستخدم لقطع الرؤوس في القرون الوسطى؟ و ماذا عن "الشبيحة" . هل تكون مأخوذة من كلمة "شبح" الذي يعكّر صفو البيوت الآمنة ، و يكدّر صفوها على أهلها ؟ و ماذا عن كلمة "زعران" ؟ و "عصابات مسلحة" و "مرتزقة" و "مندسين" ؟ كم من منجد و عالم لغات علينا أن نلجأ إليه ، و نستغيث به ، ليفسر لنا حقيقة ما يحدث حولنا ؟ كيف صحا أصحاب كل هذه المسميات فجأة من غفوتهم و سباتهم ليستبيحوا هذه الأوطان ، و ليسفكوا كل هذا الدم ، و نحن غارقون في نومنا الأبدي ، فهل لهؤلاء كيانهم المستقل فعلاً ؟ أم أنها لعبة الكلمات المتقاطعة ؟




وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

20/5/2011




العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600