صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


الديكتاتور

الديكتاتور يحب شعبه على طريقته . ما يفعله ، في آخر أيامه ليس إلّا مزاحاً ثقيلاً مع رعيته . فهو ، بالكاد ، يفهم الرسائل التي يبعثون بها إليه ، و هو من على سدة الرئاسة ، يرى في هتافاتهم صرخات إعجاب بشخصه ، و في قبضاتهم المرتفعة قبلات مبثوثة عبر الفضاء الضيّق إليه ، و في أغانيهم و أهازيجهم احتفاءً بديمومة حكمه الأبدي و استمراره اللانهائي . ليس هناك ما يغضب الديكتاتور ، و لا ما يثير حنقه ، فالمقربون الملتصقون به ، يهمسون إليه ، أن كل هذه الجموع التي يشاهدها من وراء زجاج مضاد للرصاص إنما تدعو له بطول البقاء ، و أن هذه الجماهير يصعب عليها ، و يعزً ، مفارقته ، أو الابتعاد عنه لساعات ، و أن هذه الحشود التي تضيّق الخناق على قصره إنما تودّ احتضانه و حمايته من طعنات الأعداء و غدر الأصدقاء.

لا عضلة ترتجف في وجه الديكتاتور ، و لا يهتز بدنه ، أو تنقبض ملامحه ، بينما حرسه يرقصون رقصة الموت مع من أوصلوه إلى القمة ، و لا يثير دهشته اعتلاء أطفال أكتاف أمهاتهم ، و أبائهم ، و هم يشيرون إليه ، و يجرحون حناجرهم التي تلهج بسقوطه . فقد أحاط بيته بعازلٍ للصوت يردع عنه الضجيج ، و يوفّر له الهدوء الذي يساعد على التفكير بروية و اتخاذ القرارات الحاسمة ، أما الصبية ، الذين يسقطون صرعى برصاص المحيطين به ، فثمة مبرر لاختفائهم ، إذ كيف يدع الأهالي أبناءهم يفلتون في الشوارع دون رقيب أو حسيب ، و ليس هناك وقت للتفكير فيما يحلّ بأولاد الشوارع ، و كيف ينتهون ، أما النسوة الغاضبات ، فإن رجالهم فقدوا السيطرة عليهن ، و لم يعودوا قادرين على إغلاق مزاليج الأبواب عليهن ، و منذ متى تستطيع المرأة أن تعلن غضبها ، أو أن تشارك الرجل تمرده و ثورته ؟

اعتاد الديكتاتور أن يراقب شوراع مدينته من وراء الزجاج الملوّن ، معه ، تصبح الألوان كلها سواسية ، هذه البقع الحمراء التي تلطخ الإسفلت ، ليست دماً ، كما يقول سائقه ، بل هي تعبيد حديث للطرق ، و هذه الجثث المرمية هنا و هناك ، إنما هي لمتسكعين يلذ لهم الإرتماء على جنبات الأرصفة ، و هذه الأشجار المحروقة سطا عليها لصوص محترفون فسلبوها زهورها الربيعية و أوراقها الخضراء الغضة ، و هذه اليافطات المعلقة هنا و هناك ، إنما هي إعلانات سياحية عن مدى ازدهار البلاد ، و سيادة الطمأنينة في ربوعها.

هو ، الديكتاتور ، الذي حوّلته نرجسيته إلى كائن يعتقد أنه إذا تخلّى عن كرسيه ، فإن العالم كله قد انهار حوله ، و هو المخلوق الذي يتهيأ له أنه مركز العالم ، الذي إذا اهتز فإن الجهات الأربعة ستفقد توازنها بعده ، و لكنه ، بخبرته الطويلة ، و حين يسرب إليه أحد أتباعه المخلصين أن شعبه يحتاج إلى عطفه و شفقته ليس إلّا ، يبدأ بابتداع الحلول ، فيتأنى في إصدار قراراته ، و يقدمها جرعة جرعة ، قاذفاً للناس الفتات ، باحثاً عن خلود شخصه ، و ملكوت بقائه ، غيرمكترث بكل هذه الهياكل التي يتطلع إليها من وراء زجاج جعله أعمى البصيرة . " اصبروا علي قليلاً" يقول لهم ، و لكن "الصبر" لم يجعل الخبز يهبط إلينا من السماء ، و لم يرشق رئاتنا بنسيم الحرية، يجيبونه . " سنوات أخرى قليلة و سآتي لكم بالمعجزات" . يا سيدي زمن المعجزات انتهى ، نشتهي أن نتساوى مع الأمم الأخرى ، و أن نستعيد زمننا الذهبي ، يردّون عليه ، لكنه و هو الذي احترف المراوغة و الاحتيال . يطالبهم بأن يمنحوه مهلة للبدء من جديد ، كم من الوقت على رعية الديكتاتور أن تنتظر حتى يقتنع الرجل أن ثمة مكاناً تحت الشمس لآخرين ؟!


وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

15/4/2011




العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600