|
|
وليد قدورة
بلد أسماء
لا نعرف أسماءهم ، و لا عناوينهم ، ليسوا أشباحاً ، و لم يعودوا رهائن الأشباح ، هشموا عنق الزجاجة ، طلعوا من قمقم الخوف ، إنهم كائنات شابة تضج بالحيوية و دفق الحياة ، عشقوا الحياة لكثرة ما ذاقوا طعم الموت اليومي ، موتاً ، اختطف من جموعهم أحباءً و أصدقاء ، و أجهز على أطفال بعمر الورود ، و أصبح مرادفاً لحياتهم ، فاختلطت حياتهم بالموت ، و كانوا بالكاد يفرقون بينها ، صبروا طويلاً ، انتظروا أن تستجاب دعواتهم ، تغربوا ، هاجروا ، تشردوا ، ما وراء البحار ، ارتضوا أن يكونوا خدماً ، عمالاً تصادفهم في محطات البنزين ، متسكعين عاطلين عن العمل في حواشي المدن ، و على أطرافها ، صبروا والله طويلاً ، لكنهم كالإبل ، على مضض ، كانوا يخزّنون في أعماقهم ، كل قهرهم ، و إذلالهم ، و جوعهم ، إلى أن يأتي من يعلق الجرس.
***
أمل
ظننا أن الأبواب سدّت ، و أن أحلامنا تبددت ، بعد أن وصلنا إلى خريف العمر ، و إلى تخوم الحياة الأخرى ، اعتقدناأننا سنغمض عيوننا للمرة الأخيرة على المشهد ذاته ، أننا سنرحل عن هذه الدنيا ، دون أن تتغيّر الرموز أو تتبدل ، و أن " أم الدنيا" أدارت الظهر لنا ، و زعلت منّا ، و أن أرضنا لم تعد تتسع لنا ، ظننا أن قلوبنا المخلوعة فزعاً عليها ، و كمداً على ما يحدث بها ، ستقفز هرباً من صدورنا ، ملتحقة بالطيور الهاربة من فضائنا ، و لاهثة وراء سرابٍ كاذب ، إلى أن أطلت طلائعهم.
الشباب
لم يحملوا رشاشات ، لم تحركهم غزائر وحشية و لا رغبات دموية . التقطوا لغة العصر ، و طعموها بوطنيتهم ، و عراقة تاريخهم ، جعلوا من التكنولوجيا الحديثة عدتهم و سلاحهم ، استفادوا من شعارات العولمة؟ ذلك ممكن و لكن بأي اتجاه ؟ استخدموها مدخلاً لإعادة بلدهم إلى واجهة التاريخ ، و سدة الزعامة ، لم يطلبوا الخبز ، قبل الخبز ، طلبوا الحرية ، فلا طعم لخبز ملوث ، للخبز مذاق خاص حين تلتهمه الأفواه الحرة التي تجيد الغناء ، و النكتة ، و الطرفة ، و السخرية.
جحافلهم أعطت للساحات و الميادين أسماءهم اللائقة بها ، و نزعت عنها تماماً صفات كانت لها ، و أعادت للأشياء معانيها الغائبة المنسية . الآن ، يمكن لهؤلاء الشباب أن يكون عشقهم نقياً ، خالصاً ، على ضفاف "النيل" و يمكن لغنائهم ، كما لهتافاتهم المدوية ، أن يكون راقياً ، عذباً ، كما كانت تطرب له آذاننا ، لا نريد أن نعيدهم إلى الوراء ، و لكننا نتوسلهم أن يعيدوا إلينا ما سلبه الطغاة من مشاعرنا ، و ما اعتصروا من عواطفنا ، و ما قتلوه من لهفتنا
و أخيراً ...
يستطيع العجائز و الكهول أن يناموا قريري العيون ، و يمكن للشيخ أمام و أمل قندل أن يطمئنا إلى أن ما قالاه أو غنياه لم يضع هدراً .
و يمكن للقائمة الطويلة من الشباب و الشابات و الأطفال الذين أصابتهم رصاصات بني جلدتهم أن تحلق أرواحهم ، مطمئنة ، فوق مواكب أهاليهم المغمورة بالفرح ، المتهادية في أرض " أم الدنيا" ، عارفة أن الثمن الذي دفعته كان يستحق ذلك.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
25/2/2011
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|