|
|
وليد قدورة
غزل الجلّاد و قبلة الضحية
مقايضة بشعة و ابتزاز مهين ، هذا ما يفعله الجلاد ، و هاك ما يقوله : "ولاؤك القسري مقابل اعترافي بك" . للجلاد أن يصول و يجول ، له أن ينتزع أرواح الرازحين تحت سطوة جبروته و احتلاله و بطشه ، له أن يطبق البيوت على رؤوس أصحابها ، و أن يرقص فوق جثث ضحاياه ، و أن يغني حول هياكل الأسيرات المعصوبات الأعين ، و من حقه أن يحرم أربعمائة طفل من حنان أمهاتهم ، و أن يذيق عشرة آلاف رهينة الحنظل كل يوم ، و أن يمنع أهاليهم من رؤيتهم إلّا من على بعد أمتار و من فتحات الأسلاك الشائكة ، له كل شيء ، الأرض ، الماء ، الهواء ، حبّات الزيتون ، أقراص العسل ، الحجارة القديمة للكنائس و المساجد . له حرية تدنيس المعابد ، و اختطاف البشر من أحضان زوجاتهم ، و قتل المشتبه بهم بدمٍ بارد . الجلّاد ، يملك سلطته و نفوذه التي لا تستطيع أقوى دول العالم أن تكبحها ، أو أن تلجمها ، بعد أن استفحلت شراسته و فاشيته ، و لم يعد لشراهته حدود عندها تتوقف ، و لا لاستقوائه من يضع له علامة حمراء.
جلّاد العصر الحديث ، العولمة الكاذبة المخترعة ، التي خدعت البسطاء و المظلومين و التواقين إلى الرخاء ، هذا الجلّاد يستعيد محارقه ، و شتاته ، ليصنع الرواية ذاتها لمن يتحكم بمصائرهم ، و بجوازات سفرهم ، و عبورهم ، و مواقيت نومهم ، و ساعات صلاتهم . القوانين الدولية اللفظية ، المواثيق التي تؤلف بين الأمم و الشعوب ، المحرمات و الممنوعات ، الممكن و المستحيل ، ما يجوز و ما لا يجوز ، كل هذا و ذاك ، لم يصنع من أجل هؤلاء الضحايا ، إنه حبر على ورق ليس إلّا ، إنه رتوش المعاصرة ، بهارها الذي يرش على خطاياها ، مكياجها الذي يجمّل قبحها ، و الألوان الجذابة التي تغطي جوهرها .
الضحية يهمها ما رأته بعينيها قبل أن تسقط ، ما تحسسته أصابعها قبل أن تغفو الغفوة الأبدية ، و ما لامس وجهها من نسمة طرية قبل أن تغرق ، لذا فهم لا يكترثون ، لم يعودوا يكترثون بتاتاً ، و لم يعد يهمهم ، مداعبة الجلاد لهم قبل أن ينقض عليهم ، و يدفع برقابهم إلى المقصلة .
يطمح الجلاد و يطمع إلى تركيع ضحيته ، و إلى إذلال الجسد لا إزهاق الروح فقط ، تتوهم الضحية أن مناغاة الجلاد قبلاً حارة ، و شفقة حقيقية ، تتوهم أن استدراجه لها شكل من أشكال الكياسة و اللطف الإنساني ، تنخدع لبعض الوقت ، و لكنها تصحو على حلم يقظة ثقيل عابر لا صلة له بالواقع ، و لا انسجام فيه مع الحدث .
آن للضحية ، أن تتوقف عن مداراة جزارها ، آن لها أن تركل هذه اللعبة بعيداً عنها ، فعندما تتوقف عن مجاملة قاتلها ، و عن التوسل إليه ، تكون قد بدأت أول ساعة من ساعات المخاض الذي يحمل صرخة مولود جديد.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
14/10/2010
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|