صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


أنا..فلسطيني

أنا فلسطيني رغم كل ما حدث معي ، سنواتٍ كرّت و أنا أعبر ما وراء البحار ، متحايلاً على دوائر الهجرة و إدارات المطارات ، متحملاً بجسدي المنهك ، و عقلي المتعب ، عناء سفر رحلات طويلة لا أميّز فيها الليل من النهار ، تتعطل فيها ساعتي البيولوجية ، متأملاً من علوٍ شاهق أمواج المحيط ، حالماً بالانزواء في إحدى جزره المتناثرة الخالية من الكائنات ، متخيلاً بيتاً صغيراً لي على أحد شواطئها .

أطلقت عليها إسم " رحلة الشتاء و الصيف" و لم لا ؟ إذ أن عليّ أن أسجل مواقيت الدخول و المغادرة ، و أن أستبدل جواز سفري بعد كل رحلة ، دافعاً عن طيب خاطر كل الرسوم و الضرائب في البلدان المضيفة ، كل ذلك ، من أجل أن تختلط الأختام ببعضها ، و أن أرهق من يقتصون أثر بقائي ، و متتبعي خطواتي ، و أن أتحايل عليها ، و أزوّغ عيونهم ، حتى لا يكتشفوا أي خيط يقودهم إلى دليل يفسد خطتي ، و يعطل ما رميت إليه.

في نهاية الأمر ، ها أنا أقسم بيمين الولاء لبلد لا يمت بصلة إلى بلادي ، و لقوم لا يمتون بقرابة إلى قبيلتي ، و لا ينتمون إلى فخذٍ من عشيرتي ، ها أنا أردد النشيد الوطني بلغةٍ غير لغتي ، و أنجح في عبور امتحان لا تتضمن أسئلته أي معلومات عن شرقي ، و أنحني انحناءة خفيفة لطيفة أمام راعي الحفل الذي سيسلمني جواز سفر جديدٍ لا شك بأهميته و سلطته.

طليق حر ، أنا ، بعد كل ما عانيت ، و ما تجشمت ، نادماً على ما كنت أقنع به أبنائي و من حولي ، لعقود ، من أن الحصول على جواز بلد أجنبي ، يعني إلغائنا من الوجود ، و إنكار حقنا التاريخي ، مبرراً لنفسي ، بينما كنت أرتشف فنجان قهوة على رصيف جانبي ما فعلت . في صميمي ، سأظل فلسطينياً ، ساعياً بكل الوسائل المتاحة لأعود إلى بلدي ، هذا الجواز سيفتح لي أبواب كل المطارات و الموانئ ، سيسقط إسمي من القوائم السوداء التي أكل عليها الدهر و شرب ، لن أنتزع من الطوابير و الصفوف و أصنف مشبوهاً و إرهابياً إلى أن أثبت العكس ، لن أستجدي أحداً من أجل تعليم أبنائي ، و لن أستعطف جاهلاً ليصرف لي فاتورة دواء ، لن أفكر بهموم التقاعد و خشية الموت جوعاً أو حزناً دون أن يعلم بي ، أو يذكرني أحد .

لم أصل إلى قراري هذا ببساطة ، و لم أرسم خطتي الجهنمية عن عبث ، لقد عشت في الظل ، أستخدمت في حروبٍ أهلية عبثية لا طائل منها ، حملت السلاح ، و نفذت أوامر رؤسائي ، و شاركت بمعارك شتى ، لم أكن بطلاً ، كنت طوال هذه العقود إنساناً عادياً جداً محباً للآخرين ، كارهاً لمن اخذوا أرضي ، و سلبوني بيتي ، لم يهمني يوماً إسم اليافطة ، أو المؤسسة ، أو الزعيم ، كنت أراهم جميعاً قديسين بلا أخطاء أو خطايا ، كل ما يفعلونه صواب ، و كل ما يقوله الآخرون خطأ.

سقطت الغشاوة أخيراً عن عيناي ، الانعتاق من قيود المؤسسات يعني حرية الإبداع الفردي و الشخصي ، لست قادراً و لا طامحاً لإنشاء شكل جديد منافس ، لست راغباً في خوض صراعات هامشية أو جانبية ، أنا الرجل العادي الذي اعتاد أن ينفذ ما يؤمر به.

رشفة أخرى من فنجان القهوة ، لن أستجدي أحداً راتباً تقاعدياً ، و لن أرمى على أبواب مستشفى ، و قد أموت دون أن يكترث لأمري أحد ، سأستطيع أن أكتب ما أشاء ، و أن أصرخ - ما دام كله صراخاً - كما أشاء دون أن يكمم فمي أحد ، سأنتمي إلى جمعيات حقوقية و مدنية و أخاطب ناسي من بعيد ، و أتسلل إلى "لوبي" عربي يكون نداً و مناكفاً للتكتلات الأخرى.

الجواز الجديد في جيبي ، فلسطينيتي و عروبتي في قلبي ، الآن أستطيع أن أسجل شقتي الصغيرة بإسمي في البلد المضيف ، و أن أحصل على بطاقة عمل لعشرات المهن التي يحرم على أمثالنا مزاولتها ، إنني مختلف الآن ، أستطيع أن أوقظ سفير البلد الذي حملني جواز سفره ليلاً ، و أقول له أن أحداً شتمني ، و أن شرطياً قذفني في - التخشيبة- و أن أطلب تدخله ، و استخدام سلطته لإطلاق سراحي.

أستطيع الآن أن أدخل المخيم برأس مرفوع دون أن يجرؤ حاجز على إذلالي ، و أن أزور حتى "القدس" دون أن يعترضني عسكري إسرائيلي ، أستطيع أن أصلي هناك ، و أن أتوسل ربي ليغفر لي خطيتي الكبرى هذه في التحايل على العالم الذي ظلمني من أجل انتزاع حقي الفردي ، و أكون بذلك أول العائدين.



وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

8/10/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600