|
|
وليد قدورة
سر القوة
يبدو أن علينا بين آونة و أخرى أن نستجلي عناصر القوة لدى الكيان الصهيوني، حديث مثل هذا يعتبره كثيرون تضخيماً و ترويجاً لسلطة الاستقواء لدى المحتل ، قليلون ينحازون إلى فكرة البحث و التحليل المموضوعي و التمحيص الدقيق لقدرة الخصم حتى لا تتغلب الشعارات العاطفية على تشغيل العقل و الإعداد المنهجي العلمي للأجيال القادمة.
هي بديهيات تكاد أن تغيب ، أو أن تغيّب عن ذاكرتنا، بينما نلاحظ استفحال و تعاظم النزعة العنصرية و اللغة العسكرية الإستعلائية التي يرددها قادة الكيان الصهيوني ، بديهيات كان العقلاء و المفكرون يشبعونها بحثاً للوصول إلى اكتشاف سر القوة لدى إسرائيل ، و لا بد من إعادة تسليط الضوء عليها حتى لا نغرق في الأوهام من جهة و حتى يمكننا دحر الإحتلال من جهةٍ أخرى .
ذكرني بذلك حدثين مهمين لم تعطهما الفضائيات أو الصحافة المكتوبة ما يستحقان من تقديرٍ. أولهما "احتفالية فلسطين للأدب 2010" في دورتها الثالثة التي انطلقت من القدس المحتلة عام 2008 و امتدت إلى رام الله و بيت لحم في العام الذي تلاه و أقيمت من جديد في المدينة المقدسة هذا العام لتنهي فعاليتها في الشطر الآخر بعد أن منع المحتل منظموها من التوجّه إلى غزة المحاصرة.
تحت شعار، و في ظل يافطة تكرّس استدعاء العلم و الثقافة و المعرفة باستلهام عبارة إدوارد سعيد - الفيلسوف و الأديب الراحل الذي صودرت كتبه سابقاً داخل فلسطين- "، وقع الكلمات في مواجهة ثقافة القوة" ، و تحت أزيز الرصاص الذي كانت تطلقه الحواجز الإسرائيلية ، و هجمات قطعان المستوطنين على الأمسيات الشعرية و الندوات و المحاضرات التي كانت تحييها مؤسسات ثقافية أجنبية للأسف ، تمّ استكمال هذا الفعل الثقافي السنوي الدوري الذي أدارته بحيوية فائقة الروائية المصرية - البريطانية- أهداف سويق.
أخذ البعض على هذا الكرنفال، طغيان اللغة الإنجليزية على أعماله بدءاً من تكريم شاعر فلسطيني بقي مهملاً، مجهولاً ، مقيماً في الناصرة حتى الآن ،هو طه محمد علي ، الذي لم تكترث بتقديم أعماله دار نشر عربية ، و قليلاً ما عُرف عنه إلا أنه بائع قطع و أيقونات تذكارية في هذه المدينة الجليلية، و لكن هذه الشائبة يغفرها إصرار منظمي الاحتفالية على تطويرها و تفعيلها عاماً بعد آخر ، لتشمل كافة المدن الفلسطينية لاحقاً ، و لتشرك معها مؤسسات و هيئات و مبدعين عرب مستقبلاً دون الحاجة إلى أخذ إذن أو طلب تأشيرة من محتل .
أهداف سويف قالت بعد أن نالت جائزة منحتها إياها مؤسسة " محمود درويش" في دورتها الأولى ، أن القيمة المالية للجائزة ستكرّس لإحياء احتفالية القدس العام المقبل. و هذا سلوك نبيل من مبدعة عربية تحوز احتراماً عالمياً خاصة لدى المحافل الأدبية في العالم .
أما الحدث الثاني ، الذي لم ينصفه الإعلام فهو هذا الحشد من آلاف الفلسطينيين المهجرين و المقيمين قسراً في أوروبا الذين عقدوا مؤتمرهم السنوي هذا العام في برلين ، هل اختاروا المكان قصداً موحياً بما حدث لجدار برلين الذي حطمته سواعد أبنائها في شطريها ، و هل أرادوا تعويض ما لم يصنع حتى الآن من تكسير الجدران العازلة حول مدن فلسطين و قراها؟ ليس هذا لبّ الموضوع على أهميته ، بل حجم و نوع الكفاءات العلمية المشاركة و الدارسون و الباحثون الذي نهلوا في الجامعات و المؤسسات الأكاديمية الأوروبية و التي تؤهلهم لأن يساهموا في وضع حلول جذرية لقضية الصراع العربي- الصهيوني ، و ليشكلوا رصيداً و احتياطياً لا يمكن التقليل من شأنه ، أو عدم أخذه بعين الاعتبار في أي حلول مقبلة .
استثمر الكيان الصهيوني، و استفاد من كافة العقول المتعاطفة مع مشروعه العنصري . جعل من البحث ، مادة أساسية في برامجه الدراسية ، و من كسب جيشٍ من العلماء منتشرين في شتى الأصقاع عنواناً دؤوباً لعمله ، و من تطوير البرامج العلمية سواءً في مجال صناعة الأسلحة أو المواد الاستهلاكية شغله الشاغل ، كيان عنصري ، محتل ، يستحوذ على كثيرٍ من عناصر القوة ، بلى ، لكنه يغدق على علمائه و مثقفيه ، و يسهر على راحتهم ، هذه حقيقية لا يمكن تجاهلها ، أو إغماض أعيننا عنها ، عندما نسترد عقولنا المخطوفة و المرتهنة ، نبدأ رحلة الخلاص ، و إلّا فإننا نكون كمن يضع العربة أما الحصان ، لذا يكون ضرورياً أن ننصف و نثمن دور كل من كتب قصيدة أو رواية أو رسم لوحة ، أو امتشق قلمه ليصحح ما يعم من خطايا كبيرة.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
03/07/2010
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|