صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


يالهذا البحر

أهذا هو البحر الذي خاض عبابه طارق بن زياد ، و أحرق سفنه قائلاً : " البحر من ورائكم و العدو أمامكم و ليس لكم والله إلا الصبر "؟ أهو ذاته الذي تهادت على سطحه آلاف السفن العربية كاسحة من يقف في وجهها ، مسجّلة أروع الانتصارات في - ذات الصواري- ناقلة إشعاع النور و الحضارة إلى الضفة الأخرى منه . حاملة على متنها خلاصة الثقافة الإنسانية التي تبث عبيرها و عبقها في جزر و مدنٍ كانت لا تزال تعيش تحت جحيم البطش والقسوة والاستبداد.

إنها الذاكرة القديمة التي تتقهقر أمام ما تفيض به الحقبة المعاصرة من ألم الرحيل و وجع الوداع ، في سجل تاريخي يصعب نسيانه . آلاف الزوارق التي تغص فيها موانىء حيفا و يافا وعكا ،فيلقي البشر فيها أجسادهم المنهكة دون أن يعرفوا إلى أي مرفأ ستأخذهم ، و على أي أرض سترميهم ، يتشبثون بالقوارب الصغيرة أملاً بالخلاص ، فتقذفهم هذه في عشرات المنافي، وتنسى الأم رضيعها ، و الابن أباه ، كأنه يوم الحشر ، فيما تمخر البحر نفسه عشرات البواخر الحديثة من الجهة الأخرى متقلة بغرباء ، متعددي الجنسيات، متكئين على إيقاظ أحلامٍ قديمة قادمين إلى أرض اللبن و العسل ، لإفناء شعبها و إلغاء معالمها.

إنه البحر نفسه ، الذي ضمنا بعد اجتياح بيروت ، و أدخلنا في تيه جديد لم نعد ندري كيف نخرج من ظلماته ، و هو ذاته الذي تحدث عنه محمود درويش في أحمد الزعتر ، وهو، هو الذي كنا أطفالاً نأنس إلى وشوشة أمواجه ، ونعوم على أطرافه.

كأنه لم يعد لنا ، كأنه لم يعد يتسع للجميع ، إما ظالماً أو مظلوماً ، إما جلاداً ، أو ضحية، أو يكون بركة للدم ، ما الذي يبرر قتل كائن بشري يحمل يافطة إنسانية ؟ كيف بدمٍ بارد ، و في مخالفة لكل الشرائع السماوية و القوانين الوضعية ينهال الرصاص على من يحملون دفء المشاعر الإنسانية ، و على الكتاب و المثقفين و الإعلاميين في عرض البحر، وهم لا يحملون إلّا ضمائرهم الحيّة ، و كلماتهم ، و قليلاً من الخبز و الأدوية ، والبيوت الخشبية ، و كراسي المعاقين لمن أمضوا ألف يوم في حصار .

هذه البقعة الصغيرة التي يحتشد فيها مليوناً و نصف يتضورون جوعاً و ظمأ ليست - طروادة- طبعاً ، و هذه السفن القادمة لم تكن مدججة بالسلاح . كاميرا ، قلم ، ريشة ، و كتاب ، و بعض الخبز ، و قليلاً من الدواء ، استكثرها الصهاينة على فقراء غزة ، فكانت المذبحة. أهو البحر ذاته الذي ركبناه في قديم الزمان و سالف العصر والأوان ؟


وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

12/06/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600