|
|
وليد قدورة
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
لجأت إلى " أمل دنقل" بعد أن أجهزت علي خيبات الأمل المتتالية ، أحببت هذا الشاعر و تغلغل إلى شغاف قلبي ، و حين كانت تتداول أمامي أسماء شعراء عرب كبار ، كنت و مازلت ، أبدي انحيازي التام له . لا علاقة للأمر بأصول النقد الأدبي الذي لا أدعي إجادته. لا صلة له بنوع التركيبة الشعرية لقصائده أو بالمفردات المستخدمة ، الانشداد إلى شاعرٍ ما كما يبدو ، مرهون بمدى الإحساس بصدقيته . "أمل دنقل" الذي غاب منذ سبعة و عشرين عاماً كان شاعر وجع صادق ، و لوعة نادراً ما يلتقط حرقتها شعراء آخرون بنفس المقدار الذي صنعه دنقل.
مجبول بالحزن ، معجون بالكبرياء ، مسكون بالألم كأنه يحمل أثقال أمته العربية كلها على ظهره ، كأن مصائبها تنخر في قلبه ، و تقفز إلى قلمه ، هكذا تراءى لي هذا الشاعر الصعيدي الذي تسربت قصائده إلى شراييني ، و التي تخفف من كربي كلما تيقنت أن المركب الذي امتطيناه لينقلنا إلى بر الأمان ، لم يعد قادراً على المتابعة بعد أن أثخنته الثقوب و النكسات و الهزائم ، رجعت لا إلى أشعاره فقط ، بل إلى روزنامة عمره القصير ، و كيف أغمض عينيه و مات في عام 1983 بعد أن تيقن أن الإسرائيليين دخلوا أول عاصمة عربية في اجتياح وحشي ، و كيف بدأ السرطان ينهش جسده بعد أن صحا على أهوال هزيمة 1967 و ما بذرته من أوهام عششت في أذهان شرائح كاملة من المثقفين و الشعراء و النخبة العربية.
هكذا ، نلجأ إلى أصدقائنا الشعراء ، سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً ، لنستغيث بهم ، و نستنجد بكلماتهم ، حين يضيق الخناق ، و ينسد الأفق ، فتكون قصائدهم همسات عزاء ، و ترانيم أسى ، و سياط أسى تجلدنا أملاً في إيقاظنا و عودة الرشد إلى عقولنا الغائبة ,
لجأت إلى دووانيه استنطقها في هذه الأيام التي أرى فيها "القدس" تتصدع ، بيتاً بيتاً ، مسجداً مسجداً ، و كنيسة كنيسة ، فقلت أي نبوءة يحملها أمثال دنقل و يتوقعون لها أن تحدث حين يهتف:
لا تصالح ! و لو قيل رأس برأس
أكل الرؤوس سواء ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟
و هل تساوي يدٌ .. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلتك؟
و أكمل سيمفونيته قائلاً :
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علم الإنسان تمزيق العدم .
من قال "لا" فلم يمت
و ظل روحاً أبدية الألم.
وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا
14/5/2010
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|