صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


باب الشمس

عدت بالذاكرة سنواتٍ إلى الوراء حين كنا نستقبل "أيار" كل مرة بطقوس و شعائر لم نحد عنها قيد أنملة ، طابور مدرسي نصطف فيه صباحاً ، صبية و فتيات ، نحيي العلم ذا الألوان الأربعة : الأبيض ، الأسود ، الأخضر و الأحمر في وقفة شبه عسكرية ، ننشد عن ظهر قلب نشيد " موطني" : البناء و البهاء في رباك ، نقسم جميعاً و بصوت جهوري و نصرخ : فلسطيننا لن ننساك ، و لن نرضى وطناً سواكِ ، كل ذلك كان ما يراودني من أفكار صبيحة "أيار" هذا العام بينما كنت متكوراً في فراشي مصغياً إلى صوت فيروز الدافئ يسري في أوصالي : مريت بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة..

موقنا أن صفحة جديدة من التاريخ قد فتحت ، و أن عصراً آخر قد بدأ لا مكان فيه للهتافات المدوية ، أو الإضرابات التي تذكّر بالمناسبات الحزينة ، و أن زمن المظاهرات الصاخبة قد ولى ، و كذا المناشير الثورية التي كانت تتلقفها الأيدي ، و تدس من تحت أبواب البيوت قد انتهى أيضاً ، قلت لنفسي أن عليّ أن أواكب التغيّر ، و أن أقبع في منزلي راضياً بما يمكن أن يفعله رجل في الستينات ، بذكرى خروجه الأول من مسقط رأسه منذ إثنين و ستين عاماً.

السينما ، علاوة على كونها فناً سابعاً راقياً ، تكون منقذاً و مخلّصاً لمن اختاروا العزلة ، فيها نقلة من الواقع إلى الخيال أحياناً ، و إلى الواقع الافتراضي أحياناً أخرى ، و لكن هذا ما لم يحدث حين انتقيت فيلم -باب الشمس- لأشاهده بهذه المناسبة تعبيراً عن تضامني مع جموع اللاجئين ، و الذين ينتظرون اللجوء قسراً قريباً و انسجاماً مع حالة الصمت و السكوت و السكون السائدة حالياً ترقباً لكوارث قادمة ، فقد حرّك الشريط لدي مشاعر كامنة ، و أيقظ أحداث نائمة في اللاشعور طفت مع أحداثاً الرواية إلى السطح لتقلب الغرفة الصغيرة التي اعتكفت فيها لمشاهدة الفيلم إلى مسرحٍ يضج بشخوص و أحداث منهكة تجلب الأرق و القلق لمن دخل خريف العمر.

ها هو أبو صالح (يونس) بطل الفيلم الذي يتسلل مرات إلى قريته في الجليل ليقابل زوجته -نهيلة- التي اختارت التشبث بالأرض و رفضت اللجوء ، ليقابلها في مغارة تدعى - باب الشمس- و تحمل منه ، و هو الغائب عن قريته لدى أهلها ، مما يثير ضجة لها أول و ليس لها آخر .

دون أدنى مبالغة ، أقول أنني كنت أعرف هذا الرجل معرفة وثيقة ، فقد كنت أصغي لنوادره الكثيرة ، بينما كان يجلس في أحد المقاهي الشعبية في " مخيم عين الحلوة" و كان يخصّ نفسه بكرسي من القش المهترئ على قارعة الطريق ، سارداً علاقته التاريخية برسام الكاريكاتير الراحل ناجي العلي " البسمة لم تكن تغيب عن وجهه ، فيما عيناه الخضراوان الصغيرتان تراقبان كل شاردة و واردة على أطراف الشارع ، و حين كان يختفي لأيام ، و أحياناً لأسابيع ، عن كرسيه ، كان يبرر غيابه بعمله في أحد بساتين الجنوب ، و هو عذر يصدقه الناس بسهولة ، لأن الرجل كان بحاجة لكدّه في سبيل لقمة عيشة.

طبعا ً ، لم أجد " أبو صالح" الذي عرفته في -المخيم- هو ذاته في (باب الشمس) ، لكنني بعين المشاهد تفاعلت مع الفيلم بساعاته الأربع بطريقة مدهشة و مؤثرة ، و خاطبت نفسي قائلاً أنه عمل سينمائي يليق بفلسطين كونه يستقصي أحوال شعبها كهوية لا كضحية ، و يقدم المأساة خاليةً من زيف الشعارات و العبارات الطنانة بل كملحة إنسانية تقترب من صفة الكمال ، في تضامن إبداعي عربي ، قلّما نجد ما يضاهيه أو يجسده في هذه الأيام . فلا يكفي القول أن الياس خوري الكاتب اللبناني تفوق على أمثاله في كتابة الرواية و المشاركة في إعداد السيناريو ، بل تبدو البصمة المصرية-السورية-الأردنية-الفلسطينية دامغة و متغلغلة في صناعة عمل سيظل محافظاً على روعته رغم مضي خمس سنوات على إنتاجه فإن "باب الشمس" يمكنك لدى مشاهدته من اكتشاف حقائق جديدة و التوغل في تفاصيل حديثة، يكفي أن تعود إليه كل " أيار" لتعرف معنى أن تكون هناك أرضية إبداعية قبل أن تمتشق السلاح، يكفي أن تعود إليه لتدرك معنى أن يتضامن المبدعون العرب و كم يستطيعون أن يقدموا من روائع.



وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

8/5/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600