صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


على طريق الجنوب

وددت، يا صديقي أن أكتب لك عن طريق الجنوب. إنه شهر نيسان "أبريل" بداية فصل الربيع ، حيث تكتسي حقول هذا الطريق بشقائق النعمان الحمراء التي تهتز طرباً مع كل نسمة خفيفة، و الأزهار البرّية بكل الألوان ترسم لوحة طبيعية لا تستطيع يد إنسان أن تصنع مثيلاً لها.

هنا، حيث تختبئ حبات اللوز على أغصان أشجارها تائهة بين الزهور البيضاء التي ترصعها مثل نجوم صغيرة تزيّن البساتين و ترنو بعيداً إلى السماء.

وددت أن أكتب لك يا صاحبي عن كل هذا البهاء الرباني و الروعة الإلهية الأخاذة التي تسلب اللب في مساحةٍ أثكلتها المصائب، و أثقلت عليها النكبات ، و لكن ناسها مازالوا متشبثين ببيوتهم ، يروون مزارعهم بالطرق البدائية ، و يقطفون ليمونهم بسواعدهم ، ليعبئونها بصناديق تعجّ فيها طريق الجنوب ، فيما تتوهج حبّات الإكيدنيا الذهبية بسلالٍ صغيرة أنيقة تغري العابرين.

وددت من كل قلبي أن أمشي معك إلى نهاية الدرب، فلا أجلب لفؤادك إلا المسرة ، و لا أدخل إلى قلبك إلا الفرح ، لكن الأشواك كثيرة في منحنيات جبال هذه المنطقة التي تلامس أرض فلسطين ، لا أقصد أشواك السنديان و الملول و الزعرور التي سلمت من القذائف ، و لا الأشواك البرية المجاورة للزعتر و الميرمية و الخبيزة و الهندباء البري ، إنها أشواك من نوع مغاير مختلف ، قائلة ، مدمرة ، متغلغلة في مسام هذه الأرض ، نثرها الجيش الإسرائيلي اعتباطاً في كافة الأرجاء ، فجعلت من التجوال بين البساتين و المزارع و الحقول مغامرة محفوفة بأكثر من احتمال ، انفجار لغمٍ بعد أن تدوسه قدم يقود إلى الموت أو الإعاقة أو التشوه ، و هو مشهد على المرء أن يعتاد على رؤيته إذا كان مهتماً بقراءة ما وراء جمال الطبيعة ، و مشدوداً إلى التمعن في ما تحفي خلفية لوحةٍ جميلة.

إلى قانا ، تأخذني الطريق ، و في حضرة المتحف المقام لذكرى ضحايا مجزرتين تمتا بدمٍ باردٍ ، يفصل بينها عشرة أعوام ، واحدة في عام 1996 ، في 18 نيسان تحديداً ، حين تسابق المدنيون العاديون إلى مركز القوات الدولية الذي يستظل بعلم الأمم المتحدة لعلهم يجدون المأوى و الأمان من انهيال القذائف على بيوتهم الطينية ، فما كان من الإسرائيلي إلّا أن دمر المركز على من فيه ، و كانت الحصيلة أكثر من مائة ضحية و عشرات الجرحى سقطوا في الرابعة من بعد ظهر الثامن عشر من نيسان ، كفّن أغلبهم تحت إسم مجهول ، لم تشفع لهم راية السلام الدولية ، و لم تحمهم نداءات الاستغاثة من مكبرات صوت الجنود الدوليين المشفقين عليهم . لخصّ الأمر قائد مربض المدفعية الإسرائيلي قائلاً.. " إننا رماة ماهرون ، و هناك ملايين من العرب على أي حال ، إنها مشكلتهم ، و سواء زاد العرب أو نقصوا واحداً فالأمر سيان لقد قمنا بواجبنا ، كان يجب أن نطلق مزيداً من القذائف لنقتل مزيداً من العرب."

المشهد ذاته يتكرر بعد عشرة أعوام ، القرية الجنوبية البريئة ذاتها ، تتكدس عشرات العائلات في بيت أسمنتي . كم هم طيبون هؤلاء ، اعتقدوا أن الإسمنت يحميهم من القنابل ، انفجر الجحيم ، صبّت القنابل على رؤوس هؤلاء القرويين ، ثمانية و عشرون طفلاً و ثلاثون شيخاً و امرأة كانوا ضحايا الهجوم الوحشي غير المبرر في معرض التبرير قال مسؤول صهيوني : " لا يوجد أبرياء في صفوف العدو أثناء الحرب"

إنها رزنامة من المجازر و المذابح ، لا وقت للاستمتاع بجمال الطبيعة ، طالما أن طبول الحرب المخيفة تدق بين آونة و أخرى .

نيسان ، بداية الربيع ، كل ما أبدعه الخالق يتشكل هنا بطريقة مذهلة جميلة طالما لا يتدخل الأشرار ، الرزنامة حافلة " دير ياسين ، قبية ، صبرا و شاتيلا ، بحر البقر ، إلخ" . إنها لا تتسع للتعداد ، لكن الربيع يتسع لكل الأطياف و الألوان ، ما أحلى رائحة زهر الليمون على طريق الجنوب.



وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

17/4/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600