صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


أوراق من سحماتا

طارت أوراق من "سحماتا" و حطت في أدراج مكتبي ، تبدو العبارة خيالية لأول وهلة ، و لكنها قصة حقيقية ، غاية في البساطة ، و في منتهى التمسك بالقيم التي نودعها الآن.

جدي جميل عبد الرحيم قدورة " أبو سعيد " أودع أمانة مخبأة في أسطوانة ألمنيوم مختومة لدى جارٍ مسيحي له من بلدتنا حين كان يرحل مغادراً قريته مع مئات العائلات ، كان ذلك في عام 1948 ، و في هول النكبة ، " أمانة .. لإبني الأكبر سعيد - أبو وليد- " ، هكذا وشوش جدي الجار الذي غاب إسمه عن ذاكرتي . لماذا جار مسيحي؟ لأن قريتنا كانت نموذجاً فلسطينياً للتعايش الإسلامي-المسيحي . الود قائم و متصل حتى بعد اللجوء ، حيث اعتدنا أن نبحث عمن له صلة بمختار - قريتنا- "جريس قيصر " لنوطد العلاقة معه بعد لجوئنا إلى لبنان.

ربما نسي جدي العلبة ، لأن والدي لم يروي لي أي شيء بشأنها ، و لا عمي رزق " أبو محمد" تكلم عن الموضوع أمامي قبل وفاته -رحمهما الله- إلى أن كان ذات يوم ، حين زار قريبي حسيب قدورة فلسطين بجوازه الفنلندي ، قصد حسيب "سحماتا" . تفقد بيوتها العتيقة ، و شمّ نسيم أشجار تينها و زيتونها ، و رأي داليات عنب متخشبة تتعربش على جدران مهدمة ، و قرأ الفاتحة على قبور الشهداء و المتوفين بعد أن تمعّن ملياً في مسجد القرية و كنيستها.

دليله ، كان ابن قريتنا المسيحي الطيب الذي همس بأذنه : " لدي أمانة أخشى أن أفتحها .. الأجل اقترب" . حسيب أعطاه الإذن ، فلم يكتف الرجل الطيب بذلك ، جمع عدداً من كبار قريتنا المتبقين في فلسطين ، ليفك أختامها أمامهم ، كأنها فانوس علاء الدين ، قال أحدهم ، كانت أسطوانة طويلة عتيقة اعتراها اهتراء قليل ، كان الرجل يحافظ عليها كبؤبؤ عينيه ، ينقلها من سرداب إلى آخر ، و هو الذي أعطى كلمة شرف لجدي أن يحافظ عليها.

فتحت العلبة ، كانت مجرد أوراق ، أكداس من الأوراق ، أوراق أراضي ، فواتير ، صكوك بابور زيت ، شراء ماكينة خياطة ، شهادات مدرسية ، حصص تركه منبورة بأختام مخاتير تعاقبوا . كتابات باللغة العثمانية ، و ليس أكثر ، بعد أن اتصل "حسيب" و أخبرني ، كان على أن أستلم الأمانة ، الحظ خدمنا ، اتفاق " أوسلو" كان طازجاً ، مطار غزة كان مفتوحاً ، قريبي " خالد قدورة" يقيم في أريحا بعد أن عانى من المعتقلات الإسرائيلية ، ذهب إلى القدس و التقى في ظلال الأقصى و القيامة الرجل الأمين الذي سلمه الأوراق طالباً منه الحرص عليها.

على متن طائرة تابعة للطيران الفلسطيني ، تابعت الأوراق رحلتها إلى حيث أقيم ، و تفاجأت بكميتها و حالها. حرى إصلاح بعض الأوراق و ترميمها ، كانت مثل كنز قديمٍ أكل العث أغطيته القماشية ، و لكنه حافظ على قيمته و جماله و بهائه . الأوراق مودعة في أمان إلى أن يعود أبناؤنا أو أحفادنا ، لست مهتماً بالأوراق فقط ، بل بذكرى الرجل الأمين الطيب ، الذي نسيت إسمه ، لماذا ننسى أسماء من يحسنون إلينا ، و نتذكر سيئات من يحقدون؟ تذكرت الرجل بينما كانت أجراس الكنائس تدق من حولنا مؤذنة بعيد الفصح و الجمعة العظيمة ، قلت لنفسي كنيسة و مسجد كانتا تتعانقان في قريتنا و مازالتا تتعانقان في القدس.



وليـد قـدورة
صيدا - سحماتا

9/4/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600