صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


زارنا "بابا نويل"

زارنا "بابا نويل" على حين غرة ، لم يتكبد أي عناء في الوصول إلينا ، لم يتسلق سوراً ، لم يتسلل خلسة ، لم يهبط عبر مدخنة ، كل المنافذ مفتوحة أمامه ، و من ذا الذي لا يحب إنساناً طيباً يسقط عليه من السقف مترعاً بالهدايا مجلبباً بالأحمر و الأبيض ، و اضعاً على رأسه قبعة مزركشة محببة تحميه من الثلج ، و تجعل أصابع الأطفال تؤشر عليه ؟!

اما لماذا لم يحتاج "بابا نويل" لصنع معجزته و القدوم إلينا خلسة ، فإن ذلك يعود إلى سبب بسيط جداً : بيتنا مشرع على كل شيء ، الرياح و العواصف تعبث بكل مقتنياته ، بيتنا لا سقف له منذ طار هذا أيام القصف ، نوافذ بيتنا مفتوحة ، كل من هبّ و دبّ يتلصص على من بداخله ، الكل يمتلك حرية التدخل في شؤونه ، إلا أصحابه الشرعيين فإنهم قابعون بداخله مثل دمى "بابا نويل"

***

"بابا نويل" جاءنا حاملاً رزماً كثيرة ، غنى لنا أغاني عيد الميلاد بكل اللغات ، قام بحركات تهريجية لينتزع بسمة من على وجوهنا الكئيبة ، حكى عشرات النكات ليبهجنا و يضحكنا و يفرحنا ، فتح بيديه المتدثرتين بكفوف صوفية علب الحلوى ، بذل أقصى ما يستطيع ليدس في أفواهنا المغلقة قطع الحلوى الملونة ، أغرانا بالإقتراب منه ، عندما أخذ يعرض علينا الملابس التي تناسب مقاساتنا .

لم تجدِ كل حيل "بابا نويل" بتغيير ملامج وجوهنا الجامدة ، لم تنفع كل وسائله في تحريك رموش عيوننا ، أو هز مشاعرنا . أشفقت عليه بعد أن رأيت حيرته ، فقد استنفذ كل مهاراته ، و لكن "بابا نويل" لا يحب أن يغادر بيتاً إلا بعد أن يزيل همه و غمّه ، فما الذي يمكن أن يفعله هذا المسكين لمن يحدقون إليه بغباء فيما يحاول إسعادهم و زرع الفرحة في أفئدتهم ؟

***

استفرد بي " بابا نويل" . أنا الأصغر في العائلة ، وشوشني قائلاً : " عيناك بريئتان ، و لكنهما ماكرتان ، دلني على طريقة تجعل منكم كائنات سعيدة " أنست إليه و ارتحت ، كم شغفت بالقصص التي رويت لي عن معجزاته ، و قدراته العجائبية ، "ورقة ليس إلّا " هكذا همست بأذنه ، قرص أذني بنعومة ، و قال : " كل هذه الهدايا تستبدلها بورقة ." توسلته ، رجوته ، فاضت عيناي بالدموع حين أعدت رجائي :" هل تستطيع أن تأتيني بالورقة؟

***

انتحى بي جانباً ، و سألني عن مضمونها . يا سيدي قلت ، هل لك أن تدلني على من يعطيني إذناً بالعبور إلى الجليل ، هناك حيث حفيت أقدام سيدنا عيسى (عليه السلام) ، و حيث تظلل بزيتونه ، و حيث ساح في وديانه و شعابه ، و احتمى بسراديبه و كهوفه ، و أكل من تينه و يقطينه ، و شرب من ينابيعه ، ألم يقل( عليه السلام) " دعوا الأطفال يأتون إلي ..." .

أتوق إلى رؤية الناصرة حيث جال ، و "بيت لحم" حيث كان ، و إلى المشي بعتمة شوارع القدس العتيقة ، و إلى التملي ملياً بدرب الجلجلة حيث شقي و تعذب ، و حين تحقق رجائي هذا أود أن أصرخ عالياً ، أيها الجليلي ، أليس لطريق الجلجلة من نهاية ؟!


***


انتزع " بابا نويل" قناعه ، لم أكن وحدي الذي يبكي ، كان وجهه مبللاً بالعرق و الدموع ، هو الآخر بدا صامتاً ، كئيباً ، مثل كل الجمع الملتف حوله في غرفةٍ بلا سقف ، و بلا مدخنة . "بابا نويل" لا يكذب أبداً ، صمت ، لا يستطيع أن يأتيني بورقة صغيرة ، أشفقت عليه بعد أن قال لي بصوت مبحوح منخفض خوفاً من أن يسمعه الآخرون ، الأمر يحتاج إلى أكثر من ورقة حتى يذهب الأطفال إليه . الصغار يفهمون متأخرين جداً الإشارات التي تبعث إليهم ، ينامون على رنين النواقيس و الأجراس و ينتظرون عيد الميلاد ، يرقصون حين يودعون عاماً ، و ينتظرون آخر ، ينتظرون الهدايا على أحر من الجمر ، كل ذلك ممكن . لكن "بابا نويل" لا يحمل أوراقاً في جيوبه المنتفخة.


وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان

2/1/2010



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600