صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


يحدث أن نيأس...

طارت من عقلي كل العناوين التي أعددتها لكتابة مقالي الأسبوعي ، تلاشت ، أفلتت من رأسي و اختفت تماماً بغمضة عين ، أعتقد أن هذا ما يحدث لكثيرين غيري ، يهيئون أنفسهم لكتابة شيء ما ، يلملمون تفاصيله ، يرسمون في ذهنهم و مخيلتهم صورته و شكله ، يبحثون عن أكثر المفردات تأثيراً و قدرة على جذب انتباه القارئ ، لكنهم يدخلون في متاهة ، ينتهون إلى نقطة لم يسعوا إليها ، و يتوغلون في مجاهل لا يعرفونها .

ما حدث ، كان مثل شرارة تسللت إلى دماغي فأتلفت كل ما أعددت مسبقاً من أفكار ، هكذا بلمح البصر تبدّل مزاجي و تغيّر حين ظهر على الشاشة أمامي جنود مدججون بالأسلحة ينهالون على مصلين و مرابطين في المسجد الأقصى ، بينما يردّ فتية عليهم بالحجارة ، قلت مخاطباً نفسي ، إنها العودة إلى نقطة الصفر ، راهنا كل هذه العقود على عودة ، فاصبحنا رهائن الوهم ، البلاد مشطورة ، المساحات التي خمنّا أننا إليها سنرجع ، تتقلص ، و تضمحل ، ما بين المغامرة و المقامرة السياسية نحن كائنات ضائعة ، متفرجة ، أصبحت تحفظ عن ظهر قلب كل ألفاظ السباب و الشتائم التي يكيلها الأشقاء لبعضهم البعض ، سقطت المحرمات ، انتهى إلى غير رجعة ما يبدو زمن الحكي المنطقي ، و طغت جهورية الصوت على رجاحة العقل ، و أضحى الحديث عن تكاتف الأخوة لغة بائدة إن لم نقل تافهة ، إنه الغرق في التجريب ، مرة أولى و ثانية و ثالثة و ليس من يتعلم ، لا لأنه لا يستوعب ، بل لأنه لا يود ذلك أصلاً ، إنه من جهة أخرى بؤس الثقافة الهزيلة الذي يعم و ينتشر و يزدهر ، حيث الرغبة و السعي إلى إقصاء كل من يختلف مع القوى السائدة في وجهة نظر أو رأي أو تحليل أو فكرة حتى .

ليس هكذا تستعاد الأوطان ، و لا تظل القضية متأججة ، دون تنوع ثقافي و إرادة فولاذية يخسر البشر لا قضاياهم العادلة فقط ، بل أنفسهم أيضاً ، يتحولون إلى دمى تحركها خيوط خفية ، و يدعي الجمهور الغباء حتى يراقب التمثيلية إلى نهايتها ، و هكذا تحولنا إلى كائنات مسمرة في مقاعدها ، لا يغضبنا حدث مهما بلغت قسوته و فظاعته و لا تهز مشاعره انتهاك أماكنه المقدسة و سرقة أرضه قطعة قطعة .

أتعرف يا صديقي ، أسوأ من بؤس الثقافة لدى الشعوب ، هو أن يسود تبلد الإحساس و موت المشاعر ، إن ذلك يعني ببساطة ولادة أجيال عقيمة لا تقيم وزناً للمعايير الأخلاقية التي تسعى الأمم لترسيخها و تعقيمها من آونة لأخرى ، هل هو إفساد جماعي ؟ أم هي تغذية لنزعة تعصبٍ مقيت تجعل المغلوب على أمره أحادي النظرة لا يسمع إلا بأذن واحدة ، و لا يرى إلا ما يود أن يراه .

الأكثر سوءاً يا صديقي أن مناخاً كهذا يستحيل أن يولد فيه مبدعون ، و أن يشب فيه موهوبون ، ذاك أن دفع الناس إلى اليأس يقتل هو الآخر ، و ليس بندقية المحتل فقط.



وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان

28/11/2009



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600