صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


ألقيت السلاح : امرأة في خضم الحرب اللبنانية

بعد الحرب يأتي الاعتراف ، الاعتراف إما يأتي مقروناً بالتباهي و إعطاء المبررات للقتل ، و إما يكون تنصلاً كاذباً في كثيرٍ من الأحيان من وصمة المشاركة في القتل . في رواية " ألقيت السلاح : امرأة في خضم الحرب اللبنانية " يختلف الأمر . ليس هناك مفاخرة و لا تقديم مسوغات المشاركة في حرب أهلية ، و لا دفعاً للتهم أو درءاً لها . فيه اعتراف كما ينبغي أن يكون الاعتراف ، فيه انعتاق و تحرر مطلق من سلطة الأيديولوجيا المتزمتة المتعصبة ، و شعور بالإثم لمجرد الإنخراط في تنظيم مسلح احترف العنف الأعمى . لم تكن ريجينا صنيفر صاحبة هذا الكتاب الذي صدر باللغة الفرنسية و ترجم حديثاً إلى العربية ، لم تكن مقاتلة حاملة للسلاح بشكل مباشر ، و لا لاعبة رئيسية في مجزرة ما جرت هنا أو هناك على أرض لبنان أثناء الحرب الأهلية ، لكنها لا تعفي نفسها من المسؤولية المعنوية كونها اعتنقت أفكار ميليشيا مارست القتل ضد من اعتقدت أنهم أعداء و ما لبثت ، كما يحدث عند كل ميليشيا ، أن توغلت في مستنقع الدم ، فأخذ عناصرها يسفكون دم بعضهم بعضاً ، و يستطيعون لا قتل الآخر فقط ، بل الأخ و الصديق و المحايد أيضاً ، بعد أن تضخمت جرثومة العنف في أعماق نفوسهم و على هذا يؤكد المفكر جورج فرم " أن على المثقفين المنضوين في أحد المعسكرين المتخاصمين حالياً في لبنان و المنطقة العربية أن يقرأوا أيضاً هذا المؤلف على أمل أن يكفوا عن إعطاء العنصرية طابعاً أكاديمياً ، مستغلين ألقابهم الجامعية البرَاقة ، و هذا لا يقل خطورة عن كلام بعض السياسيين و الإعلاميين .

" اليوم أستطيع أن أتكلم ، آن لي أن أفعل و قد طال صمتي عشرين عاماً . الآن أستطيع أن أفيض بما كتمته عقدين من الزمن" هكذا تقدم ريجينا صنيفر اعترافها لا لأجل بلدها فقط بل "لأجلك أيضاً يا بني ، اكتب ، إنني لا أقص عليك الحرب ، و إنما أروي لك قصتي مع الحرب ، و أنا لا أحاول تبرير ما فعلت و لا التشكي مما أصابني منها ، و إنما أحكي قصتي لتقوم مقام الشهادة ، فأنا قدمت من بلاد حولتها الحرب إلى مقبرة لأحلام و لأشخاص ، بترت حياتهم ، و اليوم ، أنا أرفض العنف الذي قبلت به في يومٍ من الأيام . قررت اليوم أن أتكلم ، و ها أنا أكتب لك ، و لأجلك ، فأنا أؤمن بقوة الكلمات و قدرتها على استخراج بعضٍ من الحقيقة من تلك التجارب المريرة . أنا أكتب علّني بالكتابة أتصدى لمشاعر الخوف و الكراهية التي هي منابع للعنف ، و متابع للحروب".

ما تبوح به المؤلفة رواية حقيقية ، لا تحتاج فيها لأن تستعين بخيالها ، أو تتصنع الربط بين الأبطال و الأحداث . كل ذلك جاهز عبر كتاب وجداني يتضمن أكثر من السيرة الذاتية أو المذكرات اليومية . عمل قليل ما يتجرأ أفراد كتب عليهم أن يكونوا في خضم حروب أهلية أن يعترفوا بوحشية ما رأوا ، سمعوا ، أو صنعوا . مثل هذا النمط من الاعتراف لا يتفوه به إلا من اقتلعوا من أذهانهم ، و سلوكهم تماماً ، ما تلطخت به أفكارهم أو عششت في عقولهم من تعصبٍ مقيت. و هي تقر " أن النسيان صعب" و لكن الخلاص الروحي لا يتأتى إلا عن طريق الانفصال التام و النقد الصارم الحازم لما عاشه أمثالها ، و هي الفتاة التي زُجت في أتون الحرب حين بلغت السابعة عشرة من عمرها ، و شحنت إعلامياً و عقائدياً بثقافة خاطئة أدت إلى الانصياع لمنطق العنف الطائفي و العنصري.

" لا مشاعر في الحرب ، و إنما توازن قوى" هذا ما يهمسه في أذنها أحد رفاقها المحاربين ، فيما يقر لها آخر : " إن الإبقاء على رجال قيد الاعتقال في السجن أمر فيه إحراج ، أما الجثة ، فهي لا تحمل توقيعاً ".

على أن ما حرر روحها في نهاية الأمر هو ذلك الفلسطيني الذي التقته ليلة الرابع و العشرين من شهر ديسمبر 1986 في أحد سجون المليشيات ، و الذي سمعت بإعدامه لاحقاً : " قيل لي أنهم أردوك قبل مغادرة المكان . أطلب منك أن تسامحني ، اغفر لي لأني لم أستطع تحريرك . اغفر لي أنني لم استطع إنقاذك . فأنت من حررني من حقدي ، أنت من أخرجني نهائياَ من الحرب ، دخل بي أخوتك الفلسطينيون إلى سجن الحرب ، و أنت ، فلسطيني في السجن ، أخرجتني منه"



وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان

12/11/2009



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600