|
|
وليد قدورة
من يشتري لعبةً لـ "يوسف"؟
هل يمكن للعقل البشري أن يستوعب حكاية طفلٍ سجينٍ لا يتجاوز عمره عاماً ونصف؟
القصّة لم تسجّل، وقد لا تسجّل أبداً في موسوعة "جينس". إهتمامات الإعلام العالمي تنصّب على أمور أكثر إثارة للجدل، وللدردشة على جهات الإنترنت. غياب مايكل جاكسون الدرامي قد يكون غطّى على كل ما يتعلّق بمصير وليدٍ صغير منسي في زنزانة صغيرة. المؤسسات والجمعيات الإنسانية الدولية لم تصلها بعد تقارير كاملة عن حقيقة الرواية، وهي، معذورة لا تستطيع أن تثير ضجّة من أجل ولد عمره شهور ما زال يحبو على أرضية رطبة في سجن - هشارون - الإسرائيلي. كل العوامل مجتمعة تؤدّي في نهاية الأمر الى أن يصبح "يوسف الزق" كائناً خرافياً منسياً حتى يجد من يتبنّى قضيته ويدق أسوار المعتقل سائلاً عن لون حياته وشكلها، جاهداً لأن يمنحه أبسط ما يجول في خيال طفل: سرير صغير لا يتعدّى طوله سنتيمترات، لعبة يتسّلى بها، زجاجة حليب تعوضّه عن حليب جفَّ في صدر أمه، ولفائف بيض تلمُّ لحمه الطري، وبعض ماءٍ يلهو به يبديه.
في 18 كانون الثاني عام 2008، جاء يوسف الزق الى هذه الدنيا بعد مخاضٍ عسير شعرت به أمه الأسيرة فاطمة الزق القابعة في سجن النساء. بعدما إعتقلت على إحدى الحواجز الإسرائيلية دون أي مبرّر منطقي سوى أن أسمها مدرج على قوائم الناشطات المقاومات للإحتلال. خلال سجنها وتعرضّها للتعذيب، كان الجنين أيضاً، يصغي دون أدنى شك الى صراخ أمه وبكائها. بينما يكبر في أحشائها، ألم نقرأ عن ضرورة إستماع الأم للموسيقى والكلمات الجميلة أثناء الحمل لأن ذلك يهذّب ويصقل شخصية الطفل مستقبلاً؟ ما لنا والذي قرأناه. فإبن فاطمة حفظ ترنيمة التعذيب، وإسطوانة الإهانات المتلاحقة. منذ كان في أحشاء أمه، وسيظّل صداها يتردّد في أعماقه الى أبد الآبدين.
أبوه لم يره حتى الآن، وكذا أخوته الثمانية، فقوانين الإحتلال صارمة وواضحة، بمنع الزيارة عن الأسيرين، وهذه قضيّة لا يمكن أن تقبل الجدل أو النقاش، وتستلزم إتفاقياتٍ جديدة مؤجلّة الى حين. والطفل محرّم عليه أن يرى ضوء النهار، وطلوع الشمس وإستنشاق هواء نظيف، إذ أن ذلك يتنافى مع ما هو متعارف عليه من أن الأرض والهواء والماء والشمس ملك خالص للمحتّل، فتحت أي المبررات يمكن أن يطلب الأب والأخوة زيارة الوليد الأسير؟
وحدها، صرخاته المتقطعّة وهمهماته البريئةوبكاؤه المقموع داخل جدران زنزانته، يسمعها أهله مرةً في الشهر عبر هاتفٍ يمكن إستعماله مراقباً لهذا الغرض فقط.
لم يسمع الأهل منه كلمة "بابا" لأنه لم يلتق بأبيه أصلاً، وخياله أضيق من ثقب أبرة.
بعد غضب عارم نجحت جهات إنسانية بإستصدار إذن يسمح بإدخال بعض الألعاب ل 400 طفل فلسطيني دون سن الثامنة عشرة مكبّلين في سجون الإحتلال، لا تتاح لهم فرص التعليم، ولا يحظون بأي رعاية طبيّة.
ويعانون من شتّى الأمراض، بعضهم لا زالت شظايا الرصاص والقنابل تنخر لحمهم وعظامهم.
ربّما يحظى يوسف الزق بلعبةٍ تسّليه في عزلته، فتصبح رفيقته وصاحبته، يمكن أن يسمّيها الإسم الذي يريد، وأن يتحسّسها ويقبّلها كما يرغب، يوسف، ذو السبعة عشر شهراً، يقيم في أحد زنازين سجن هشارون حتى هذه اللحظة.
من يشتري لعبة ل "يوسف" ؟
وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان
4/9/2009
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|