صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


... غير كل النساء

.... حولها حبكت الأساطير، فحفظنا قصتها عن ظهر قلب. تخاطفنا الصحف وقرأنا المجلات بحثاً عن تفاصيل بطولتها. ولم تقصِّر السينما، سينما تلك الأيام بالأبيض والأسود. فجاءت "ماجدة" لتقدم حكايتها في فيلم لا زال ينتظره الصغار والكبار مستزيدين من الإلمام بمعرفة شخصيتها، واكتشاف سر هذا العناد الخارق في وجه جبروت المحتل. كثيرات اقتفين خطواتها. لكنها ظلت رمزاً مميّزاً لأن تلك الحقبة كانت متأججة وملتهبة. ولأن البطلة كانت نموذجاً سبّاقاً. بعدها جاءت دلال المغربي، سناء محيدلي، ليلى خالد، الخ. قافلة طويلة من النساء العربيات اللواتي قلبن ما هو متداول عن المرأة الشرقية وخضوعها التام. ليؤسسن طرازاً جديداً من النساء اللواتي يحفرن بعطائهن وتضحياتهن طريقاً نحو الإستقلال والتحرر.

وجدناها، فجأة بيننا، تجاعيد الزمن لم تُزل عنها هيبتها الجليلة أمام الجمهور، تلعثمها بينما تعتذر بالعربية لأن الإحتلال لم يعطها فرصةً لتعلّم لغتها، تلعثمها أعطانا درساً خلال ثوانٍ كيف أن أبشع ما يحاول الاحتلال أن يفعل هو أن يقطع ألسنة البشر، أي أن يردعهم عن تعلم مفرداتهم وكلماتهم. لكن كلماتها رغم ذلك كانت واضحة، صريحة، حنونة، صادقة، حين قالت: "أحبكم، جئت لأقف معكم".

هكذا وقفت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد أمام ناس لبنان بخفر وتواضع عجيبين، وهي التي اعتكفت والتزمت الصمت بعد أن أدت دورها الذي لا ترغب بالتحدث عنه أو العودة إلى بسط سيرته لأنها تدرك أن الزمن لن يعود إلى الوراء، وأن الزمن العربي الآن هو غير ذاك الذي كان. جالت على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، وقفت على بوابة فاطمة، فيما جندي إسرائيلي يراقب بالمنظار من خلف الأسلاك الشائكة المرأة التي تتقدم بثقة سرباً من اللبنانيات - يتنسمن هواء الجليل ويتنشقن رائحة الأرض المحتلة. غرزت الجميلة عيناها في عيني الجندي، ترى هل عادت بذاكرتها خمسين عاماً ونيِّف إلى الوراء لتسترجع صمودها أمام جلاد سجن باربروس في الجزائر المحتلة وعزلتها المخيفة في الزنزانة لمدة ثلاثة أعوام!؟ أم أن عبورها بالقرى الفقيرة في جنوب لبنان أيقظ ذاكرتها على تجربة ثرية بالكفاح في "حي القصبة" الذي أنجب آلافاً من الثوار صنعوا نصراً عجائبياً بعد مائة وثلاثين عاماً من الإستعمار الإستيطاني الذي لم يفلح في محو عروبة الجزائر، ولا في كسر إرادة مواطنيه.

بينما كانت تتفقد ما بقي من "سجن الخيام" ومعالمه البشعة وتنتقل إلى تلة صغيرة في مارون الراس التي شهدت أروع ملاحم المقاومة، سَرَح نظرها بعيداً في وديان وسهول الجليل التي لا تقل بهاءً وجمالاً عن جبال الأوراس. متمتمة بهدوء "جئت أقول لكم أن الإحتلال مهما طال فإن مصيره إلى زوال. علَّ هذه الريح في هذه الأيام الشتويّة تنقل صوتي إلى إخواني الفلسطينيين، أن وحدتهم وصمودهم هما الأساس لتحقيق أحلامهم.

لا تبدو جميلة في الرابعة والسبعين. لا تنكر تاريخ ميلادها، ألبستها غاية في البساطة، ومشاعرها الحنونة طافية بخفة ورقة على وجهها. تكاد تشبه أيقونة عريقة، انهالت بالقُبل بتلقائية على مقاوم قديم التقته في أحد أزقة القرى. واستوقفها طفل كان يحمل جعبته المدرسية ذاهباً إلى مدرسته. مَدّت يدها وعبثت في خصلات شعره، وتحسست حقيبته، أي ريح حملتك يا جميلة إلى الجنوب لتلمسي جعبةً مثل تلك التي كنت تحشينها بالمتفجرات لتزرعي بها الرعب عند المحتل؟

"لا أستحق التكريم .. فعلت ما كان يجب أن يفعله "أي وطني" هكذا ردَّت على من سخوا بالألقاب والمسميات عليها. زارتنا وغادرت عائدة إلى صومعتها في بلدها وراء الظل، دون ادعاء أو عيش على أمجاد الماضي.


وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان


15/8/2009



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600