صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


هل الدجابة قبل البيضة
أم.......؟


بينما كان الحصار يطبّق على قسطنطينة، والأعداء يحكمونه على هذه المدينة الإسلامية من كل ناحية. والناس مشغولون بالبحث عن مأوى يلوذون به. إتخذّت ثلة من العلماء زوايا وأركاناً قرب أسوار المدينة المهددة بالسقوط لتتجادل حول مسألة شائكة محاولةً الإجابة على سؤال رأته ملحّاً في تلك الأحوال الصعبة: هل جاءت الدجاجة قبل البيضة، أم كانت البيضة قبل الدجاجة؟

إخترق الأعداء أسوار المدينة. قطعت رؤوس سكانها دون أدنى تمييز بين محارب ومسالم. إستبيحت كل معالمها، ولم ينج علماؤها الغارقون في جدلهم السفسطائي من سيوف الغزاة الذين أعملوا فيهم ذبحاً وقتلاً حتى أفنوهم عن بكرة أبيهم. وهكذا ثبت أن نقاشهم لم يحمهم من آسنة الرماح، ولم يردع الأعداء عن دخول المدينة عنوة. لا الزمان ولا المكان كانا مناسبين لإثارة معمعة فكرية بينما يكون كل الناس سواسية أمام وحشية المحتلين الغرباء.

المواطن العربي يصاب بالذهول ويستذكر ذلك إن لم نقل أكثر بينما يرى مشاهد حيّة على التلفاز لما يحدث في "القدس" من تدنيس مبرمج للأماكن المقدسّة، وإفراغٍ كامل للأحياء الفلسطينية بقوة السلاح، وتغيير ديموغرافي معالمها وأحيائها العتيقة، وطرد لاأصحابها الأصليين وصولاً الى تزنيرها بجدار عازلٍ وإقامة مستوطناتٍ تلتهم ضواحيها وتضيّق الخناق عليها. علاوة على ما يجري تحت أرضها من حفرياتٍ تكاد تقضي على الإرث الإنساني لكل الديانات السماوية، ونقلٍ لحجارة مساجدها وكنائسها الى أماكن أخرى ليتفرّج الزوّار عليها كمادة للسياحة ليس الاّ.

يكاد هذا المواطن أن يصل الى تخوم اليأس بينما يراقب الخطوات التراكمية اليومية التي تجري داخل أراضي فلسطين المحتلّة منذ عام 1948، حيث تستبدل أسماء القرى والشوارع والساحات العامة، وتقتلع المقابر لتنقلب الى زرائب للمواشي، وتهدم البيوت القديمة ليقوم على أنقاضها مدن عبرية حديثة، ويخيّر الفلسطيني بين أن يردد كل يوم صباحاً النشيد الوطني الإسرائيلي وأن يعلن ولاءه وإخلاصه التام لدولة يهودية خالصة فيحمل على جواز سفره وبطاقة هويته نجمة داوود. وبين أن يجبرَ قسراً على المغادرة، وأن يقذف بعيداً الى معسكراتٍ خارج حدود بلده، يكون فيها عرضةً للنفي الأبدي، والعيش على أوهام تسوية عادلة لقضية اللاجئين الذين يشكلون إحدى أكبر خطايا هذا العصر وآثامه. والذين لا إشارات فعلية تدل على وجود حلٍ لمأساتهم بالعودة الى وطنهم.

نجد عذراً للمشاهد العربي الذي يقفز من محطةٍ الى أخرى، والذي ينتظر بشوق مسلسلات رمضان التي يمكن أن تلهيه بعض الشيء عن الفواجع التي تطلع له بغتة على التلفاز. فتقلب دماغه، وتسبّب له توتراً مزمناً وقلقاً يومياً لم يعد قادراً على إحتماله طالما أنه معطّل عن الفعل أو حتى رد الفعل إزاء هذه الكوارث التي يتجدّد حدوثها كل يوم.

في غزة، التي لا زال معظم سكانها يصرفون معظم وقتهم على شواطئها لا للسباحة والعبث بأمواج بحرها، بل لأنهم لا يجدون جدراناً وحيطاناً تحتضنهم. حيث دمرّ العدوان الإسرائيلي 6300 بيتاً وأزهق أرواح 1400 فلسطينياً وأصاب بالإعاقة والعطل ما لا يقل عن ثلاثين ألفاً، هناك حيث جرى تدمير ل 18 مدرسة، وتدمير جزئي لنصف مدارس هذه المساحة الجغرافية التي يتكدّس فيها مليون ونصف كائن بشري يعيش أغلبهم الآن في خيام ومقطورات مياه، وبيوت مبنية بالطوب في عودة نصف قرن من الزمن الى الوراء، وحيث تنحشر عائلات عدة في غرفةٍ واحدة حيث تختلط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، فتنتشر الأمراض وتعمُّ الأوبئة، ويموت الناس بصمت وبطء من الجوع. هناك حيث تصرخ إمرأة مجهولة الإسم: "لقد ذبحنا أمام أعين العالم، ولا أحد يلتفت الينا".

كنا نتحدّث في البدء عن حصار قسطنطينة، وقبلها عن مأساة الخلف حين تصارع قابيل وهابيل، فماذا يستفيد المرء إذا كسب العالم وخسر نفسه!؟ ماذا تجدي عبثية الحوار، ولغة التعصّب حين يكون معظم المتفرجين من ذوي الأمعاء الخاوية؟

وليـد قـدورة
صيدا - جنوب لبنان


7/8/2009



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600