صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

وليد قدورة


مايو (أيار) 1948 - 1 - بقلم: وليد قدورة

أرتال من الهائمين على وجوههم على سفوح الجبال و في الوديان باحثين عن مأوى يلمّهم. نساء يئنون يما يحملن في بطونهم ، و أطفال يمسكون بتلابيب أثواب أمهاتهم ، أو يتشاركوا جماعات امتطاء حمار أو بغلٍ ثقلت عليه حمولته فأخذ يترنح يمنة و يسرى فيما يتعثر بكل صغيرة و كبيرة ، و رجال ذابلو العيون ، مكسورو الفؤاد لا يعرفون إلى أين تنتهي بهم رحلة التيه هذه ، و إلى متى سيكون هذا الخروج ، مشاهد لن تغيب عن ذاكرة طفلٍ شهد اللجوء الأول ، حيث كان متعذراً على هذه الحشود أن تستوعب أنه اقتلاع نهائي لهم من قراهم و مدنهم، فحُرموا ما يفعله الناس عادة حيث يلقون نظرة وداع نهائية على بيوتهم و حقولهم و مواشيهم .

أوانٍ مستعملة يرن نحاسها في سكون الليل ، حيث تحتك ببعضها بينما ألقيت بعجالة على ظهور البغال ، أو البشر . صداها يمزق الصمت ، يختلط بلهاث الضائعين في هذه الطبيعة الموحشة ، يرافق الصدى أزيز طلقات و قنابل مضيئة يجبر هذه القوافل على الإحتماء بكهوفٍ ومغاور في باطن الجيل، و دوي قنابل بعيدة يرفع من وتيرة البكاء لدى الصغار. لهاث، بكاء، دموع، عرق ينز من أجساد هذه الكتلة البشرية، حيث تتلاصق الأجسام لتنعم بلحظاتٍ من الدفء بينما تهب لسعات برد على شبه عراةٍ يصعدون هذه الجلجلة.

إنها الكوابيس اليومية التي تحاصر ذاكرة و لد فلسطيني أجبر قسراً على مغادرة مسقط رأسه في أيار 1948 حيث لم يستطيع الضمير البشري أن ينتزعها منه رغم مرور أكثر من ستين عاماً، تزال الذاكرة المرّة عادة حين تلعب الضمائر اليقظة دورها في إحقاق الحق. تترسخ، تتفاقم، تنقلب إلى أفكارٍ و أعمالٍ مدمرة حين لا يكترث أحد لما حلّ بها، و لا يحقنها أحد ببصيص من أمل، أو يمدها بشحنةٍ من انفراج.

إنها أرتال ، مئات الآلاف من اللاجئين ، الذي يسلكون منافذ وطرقأ شتى ، إنه صراع البقاء، و الإصغاء إلى نصيحة الأشقاء : إحملوا مفاتيح بيوتكم القديمة ، فهي قٌضية أيام ليس إلا، مفاتيح معلقة بسلاسل غليظة في رقاب الكهول، مخبأة في ملابس النساء و محشوة في صدورهن. بعضها اهترأ، كثيراً منها التهمه الصدأ ، عدد منها معلق للزينة على حيطان الأكواخ ، و عددٌ يتباهى أصحابه به مهما طال الزمن فهو أيقونة العودة ، و تعويذة التخلص من القنوط.

أخيراً تحط القوافل على أراضٍ فتحت أبوابها لهم . مئات من المخيمات ، إنها الرجوع إلى المضارب الأولى ، إلى الأصل ، مخيمات . تقف صفوف من الرجال و النساء داخل أسوارها كل صباح لتتلقى هباتٍ و مساعدات تسد الرمق و تبقي على بعض الحياة ، تخضع لحراسة الأصدقاء و الأحباء حتى لا تهجم عليهم الوحوش الضارية ، و حتى لا ينقلب أصحابها وحوشاَ فيفلتوا بعد مغيب شمس كل يوم.

مضى أكثر من ستين عاماً ، الانتظار مازال السيد . كثيرون أفلتوا من طوق المخيم : حملوا جوازات سفر جديدة ، و رحلوا بعيداً ، أجيال جديدة نشأت ، و أخرى رحلت. كلما انفتحت كوة أمل ، سدّها أصحابها بالتقاتل و العبثية. مواجهة الخصم عملية واضحة المعالم ثقافياً و عقلياً ، أما مواجهة الذات عملية بالغة التعقيد حين لا يكون هناك مصالحة مع الذات.


7/5/2009

العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600