وديع البستاني: اللبناني ـ الفلسطيني - بقلم: جوني منصور

بيت وديع البستاني في وادي الجمال عند الشاطئ الأزرق

حيفا، هذه المدينة التي جذبت عددًا كبيرًا من المثقفين من أدباء وكُتّاب ورجال أعمال وسياسيين وأصحاب مهن حرة في فترة الانتداب البريطاني، وفرت لكل هؤلاء أجواء مريحة من العمل والانتاج والعطاء، وبادلتهم الحب بالحب، فكانوا أوفياء لها وهي ـ المدينة "حيفا" وفية لهم. وأصبح من المؤكد في قلوبنا وعقولنا أن علاقة الانسان الفلسطيني بالمكان قوية للغاية، وأن المكان ليس الارض فقط بل ما تحمله الارض من معان ومعالم وأحاسيس تزيد من قوة هذه العلاقة والارتباط.

ولا يمكن للمكان أن يتحول إلى علامة فارقة وقوية في قلوب الناس إن لم يكن لإنسانه من دور فاعل يجعل من هذا المكان قيمة إنسانية كبيرة.

الانسان الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال هو "وديع البستاني"، الذي ترك لبنان، تلك الجنة، قادمًا إلى جنة أخرى هي فلسطين جاعلا من حيفا وطنه الأول كما أن لبنان وطنه الأول.

تميزت شخصية البستاني بالشفافية والحب الصادق لفلسطين، وبذل كل ما يمكن ان يبذله في سبيل فلسطين شعبا وأرضا. ويعتبر من أوائل من تصدوا للانتداب البريطاني على فلسطين بالدراسة والمظاهرة والاعتصام والنشاطات السياسية. وهو من أوائل من رسم خطوط الوحدة الوطنية الاسلامية ـ المسيحية ودعا إلى تحصينها وتقوية دعائمها.

في لبنان كان المولد
ولد وديع البستاني في عام 1888 في بلدة الدبية في قضاء الشوف بلبنان لعائلة البستاني، تلك العائلة التي أعطت الحضارة العربية قافلة من خيرة الابناء المثقفين الذين أثروا الثقافة العربية وساهموا مساهمة كبيرة في نقل المعرفة العلمية والادبية والفكرية من خلال مؤلفات ضخمة ودراسات وبحوث ذات قيمة، ويكفي أن نذكر منهم المعلم بطرس البستاني والعلامة الشاعر والمترجم عبدالله البستاني والعلامة فؤاد افرام البستاني وغيرهم. وكان دور وديع البستاني في تزويد الحضارة العربية بما أنعم الله عليه من فكر وعقل نير وذكاء واسع.

درس الابتدائية في بلدته والثانوية في مدرسة سوق الغرب ثم تابع دراسته في الجامعة الاميركية ببيروت حيث نال شهادة البكالوريوس في الآداب والعلوم. والتحق بالقنصلية البريطانية في بيروت فأوفدته إلى اليمن مترجما لها، ثم توجه إلى القاهرة ليعمل في وزارة الاشغال العامة. وجذبته بعض الاعمال الادبية بالانجليزية فقام بترجمتها الى العربية وهي مؤلفات اللورد افيبري: "معنى الحياة"، "السعادة والسلام"، "مسرات الحياة"، "محاسن الطبيعة".

وسافر إلى لندن في عام 1911 حيث اطلع على مخطوطة رباعيات الخيام وترجمها إلى العربية ونشرها في القاهرة وأُعيدت طباعتها عدة مرات. ثم مضى إلى الهند حيث التقى شاعرها الفيلسوف الكبير رابندرانات طاغور وترجم من شعره إلى العربية.

وخلال الحرب العالمية الاولى اشغل منصب مساعد المدير العام الاول البريطاني لفلسطين. ووصل إلى حيفا مع اول دفعة من موظفي الحكومة البريطانية وذلك في نهاية شهر ايلول عام 1918.

في خدمة الانجليز، ولكن!!
كان وديع على علم مسبق بما تقوم به المنظمة الصهيونية من نشاطات، ولكنه لم يكن على علم كاف بما تخبئه بريطانيا للعرب من نكث بعهودها ووعودها. وما أن أصبحت فلسطين بيد الانجليز حتى أداروا ظهرهم للعرب وبدأوا بمنح الوكالة اليهودية كافة التسهيلات التي تضمن لهم تحقيق مشروع إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين على حساب الفلسطينيين. ولما انكشفت الحقيقة أمام ناظريه أعلن استقالته من منصبه، ولما كانت الحكومة البريطانية المنتدبة في فلسطين ترفض هذه الاستقالة يعود ويكررها حتى بلغت اثنتي عشرة مرة، وكانت الأخيرة أن نفته السلطات البريطانية إلى بئر السبع لمشاركته في اضراب عام.

حيفا المسكن الثاني بعد بيروت
اتخذ البستاني مدينة حيفا موطنا للعيش فيها لتكوينها الطبيعي الشبيه ببيروت ولكون نسيجها الاجتماعي متميز، إذ أنها شكلت موقعا متميزا لمشهد سياسي واجتماعي وثقافي خاص. وزاول مهنة المحاماة التي جعلته أقرب إلى قضايا الناس وإلى أبرز واهم قضية في العالم. لم يكن عمله في المحاماة بدافع جني الثروة المالية، إنما لهدف أساسي آمن به وتمسك بمكوناته، ألا وهو الدفاع عن الانسان الفلسطيني وعن أرضه دون تنازل أو تراجع، وتمثيل القضايا الفلسطينية الملحة وفي مقدمتها قضايا الاراضي أمام القضاء البريطاني، علما أنه لم يثق به.

الوحدة الوطنية أولا
ما أن أدرك البستاني خطورة الحالة الفلسطينية منذ بداية الانتداب البريطاني حتى بادر إلى تأسيس الجمعية الاسلامية ـ المسيحية التي تحولت إلى اللجنة التنفيذية العربية ثم إلى الهيئة العربية العليا. لقد أدرك أنه بدون مؤسسات تمثيلية وتنفيذية لن يتمكن الفلسطينيون من مواجهة التنظيمين البريطاني والصيهوني.

وشدد البستاني على ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية المبنية على قاعدة الانتماء الى العروبة اولا وأخيرا. وحث الفلسطينيين على التمسك بوحدتهم كمسلمين عرب ومسيحيين عرب. وكتب عدة قصائد دعا من خلالها إلى هذه الوحدة، وآمن أنه بدونها سيفرط عقد الفلسطينيين، وأن الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية تسعيان إلى شق صفوف الفلسطينيين ببث روح الطائفية ونشر بذور الشقاق واتباع سياسة فرق تسد، وكل ذلك من اجل الحيلولة دون تضافر الجهود الفلسطينية الموحدة في سبيل الدفاع عن فلسطين.

وشارك في عدد كبير من المظاهرات وكان في طليعة المنظمين لها، وشدد دوما على أن وحدة الفلسطينيين هي الكفيلة بالحفاظ على الوطن. فكتب:

يا للنصارى والمسلمين             لمن تركتم فلسطين
            نمتم فقوموا باسم الدين
هذي بلادي أم البلاد             مثوى اجدادي والاحفاد
            ما للأعادي فيها زاد
قدست أرضا روحي فداها             ولست أرضى لي سواها
            أموت فرضا في هواها
ربي موحد دين صحيح             والارض معبد للتسبيح
            يا قوم أحمد والمسيح

المستعمر واحد بلباس متعدد
أوضح البستاني ، موجها كلامه بشكل خاص إلى المسيحيين، أن الانجليز لا يقيمون للدين قيمة في مشاريعهم الاستعمارية، وفلسطين ضمن المخطط الاستعماري البريطاني مخصصة لإقامة الوطن القومي اليهودي، ولن يكون للعرب عامة بمن فيهم المسيحيين العرب تفضيل على غيرهم، وهذا ما جرى فعليا على أرض الواقع، ولهذا يدعوهم إلى مزيد من التمسك بعروبتهم وانتماءهم إلى قوميتهم لكونها الضمانة الوحيدة لبقائهم في وطنهم:

لئن عدد الأديان ناس ومزقوا             فما كنت في الأوطان إلا موحدا
نحن النصارى الاقربون مودة             لكـم وقد صدق النبي "محمد"
أجل عيسوي واسألوا الأمس والغدا             ولكـن عُروبيٌّ يُحـِبّ محمدا

فلسطين اختطفت قلبه
حَرّكَت القضية الفلسطينية بكل مراحلها مشاعره وذهنه، وجعلته يفرغ جل وقته من أجل خدمة هذه القضية، خاصة كل ما له علاقة بالارض. وخلال فترة الانتداب البريطاني تعرض الفلسطينيون إلى أبشع مشاهد سلب الاراضي ونهبها على يد سلسلة من القوانين المجحفة التي اصدرتها الحكومة البريطانية المنتدبة وقيامها بتحويل مساحات شاسعة من هذه الاراضي لصالح المؤسسات الاستيطانية الصهيونية وعلى رأسها القيرن قييمت. وبدأت تظهر ملامح التطهير العرقي والتهجير لشرائح واسعة من الفلسطينيين في عدد من المناطق الاستراتيجية كوادي الحوارث وأراضي الجفتلك في غور بيسان، وتمكن من انقاذ بضعة آلاف من الدونمات بعد أن بذل جهودا كبيرة مع عدد من زملائه المحامين والسياسيين.

ونبه الزعماء العرب من ملوك وامراء إلى مخاطر التعامل مع الانجليز والحركة الصهيونية، وعبر عن ذلك من خلال قصائد كثيرة نشرها في الصحف المحلية أو ألقاها في عدة مناسبات وطنية وسياسية.
على الاتراك أعلنا جهادا             وبايعنا الشريف لنا خليفة
أردناه لملك العرب قصرًا             من الشـم مردة المنيفـة
ولما راح (بيت الوعد) يبني             نقضنا حجة القوم السخيفة
فقلتم (تضرب الارياح فيه)             وجاءت نكتة منكم لطيفـة
وقد قامت سقيفتهم تعلى             ورايتكم على سطح السقيفة
وقمنا حولها وبنا سؤال             تردده عقيدتنـا الضـعيفة
أقصرًا في الهوا أم بيت شعر             ستبني للشريف يد الحليفة!

خطاب يهودا....
نظمت الحركة الصهيونية احتفالا كبيرا بافتتاح الجامعة العبرية في القدس في عام 1925، ودعت إليه بلفور صاحب الوعد المشئوم، كما وجهت الدعوة الى رئيس بلدية القدس راغب النشاشيبي والى الشاعر العراقي معروف الرصافي، وكان الهدف من وراء هذه الدعوات الظهور بالانفتاح على كافة "الجماعات السكانية المقيمة في فلسطين" وأن الحركة الصهيونية ليست معادية للعرب مطلقا، ونجحت في استدراج شخصيات بارزة كهؤلاء، وألقى الرصافي قصيدة بالمناسبة جاء فيها:

خطاب "يهودا" قد دعانا إلى الفكر            وذكرنا ما نحن منه على ذكر
ومجّد ما للعرب في الغرب من يد            وما لبني العباس في الشرق من فخر


ولشدة تملق الرصافي بالمندوب السامي هربرت صموئيل وتنويهه على ان هذه الجامعة ستكون موئل فكر ومصدر ثقافة وإعلاء شأن المثقفين، عمم السكرتير المدني البريطاني القصيدة على الصحف الفلسطينية المحلية، وفي مقدمتها صحيفة "الكرمل" لصاحبها نجيب نصار. وأبى نصار أن ينشر القصيدة دون إلحاقها برد لاذع ولاسع للغاية للرصافي وللذين يمتدحهم. فتوجه إلى وديع البستاني الذي استل قلمه وكتب الرد الشافي، وجاء فيه:

خطاب(يهودا) أم عِجاب من السحر            وقول الرصافي أم كذاب من الشعر
ببغداد، يا معروف،بالارض، بالسما            بربك، بالاسلام، بالشفع بالوتر
قريضك من دُرّ الكلام فرائد            وأنت ببحر الشعر أعلم بالدر
ولكن هذا البحر بحر سياسة            إذا مد فيه الحق آذن بالجزر
أجل عابر الاردن كان ابن عمنا            ولكننا نرتاب في عابر البحر
أيهجر اوروبا ليبني(بيته)             على قبة ما بين مهدي والقبر

وهذه القصيدة التي راجت في كل الاقطار العربية بينت بوضوح مدى حب البستاني لوطنه وصدق مشاعره تجاه قضايا هذا الوطن، وعدم تنازله عن قول الحقيقة مهما كلف الامر. ولم يبخل بقلمه ليوقظ عقول من أظلمت عقولهم وتاهت في حب القادمين من اوروبا!!

قبر الجميل الدامي...
كادت ان تنجح محاولات الحكومة البريطانية والحركة الصهيونية في شق صفوف الفلسطينيين من باب الاختراق الديني والطائفي، حيث أثيرت قضايا طائفية وتم جر الشارع الفلسطيني للوقوع فيها، كما حصل في حيفا في عام 1930 على خلفية نزاع بين المسلمين والمسيحيين حول ملكية مقبرة في محطة الكرمل، حيث هجم أحد المأجورين على الاديب والكاتب والصحفي المعروف بمواقفه الوطنية والقومية جميل البحري (عفارة) وضربه بآلة معدنية اردته صريعا، مما كاد أن يثير نعرة طائفية قاسية ومؤلمة للغاية، فتحرك رجال الحركة الوطنية وعلى رأسهم المطران غريغوريوس حجار وتم تشكيل لجنة لرأب الصدع ولملمة شمل ابناء الشعب الواحد كي لا تتسع شقة الخلاف، وصد كل محاولة للاصطياد في الماء العكر. ولقد حاول عدد من المتنفذين وذوي المصالح الاستفادة من هذا الحادث لجني ارباحٍ سياسية لصالح الصهيونية والحكومة الانتدابية. وتكللت مساعي اللجنة بالنجاح في الحيلولة دون اتساع رقعة الخلاف، بالرغم من أن هذه الحادثة قد تركت أثرها البالغ لمدة طويلة. وكان للبستاني دور في تهدئة الخواطر والقى قصيدة على قبر البحري مؤثرة للغاية، نقتبس منها الابيات التالية:
قف بي على قبر الجميل الدامي             وأقرأ عليه تحيتي وسلامي
هل فيك غير فتى حديث بعده             للعيسوية كـان والاسلام
يا ناكرين على الجميل جميله             وممرغين جماله برغام
لا الدين قاتله ولا اصحابه             يا ضاربين لجفوة بسهام
لا تلبسوا الدين الحنيف جريمة             يا آثمين كبيـرة الآثـام
لا تجعلوه ضحية لخصومة             هذا شعار في الحمى لوئام

عدم شرعية الانتداب
لم يقتصر نشاطه على مزاولة المحاماة وتجنيدها لخدمة قضايا الوطن، إنما وضع سلسلة من الكتب والدراسات، وباعتقادي أن أبرع من ناقش بطلان الانتداب وكونه غير قانوني وغير شرعي كتابه الذي يحمل العنوان "الانتداب الفلسطيني باطل ومحال" مستندا إلى القوانين الدولية والشرائع الخاصة بالاحتلال وكيفية تعامل هذه مع الحالة الفلسطينية. ووضعه بالانجليزية ثم ترجمه الى العربية.

وللبستاني عدد آخر من الكتب يضيق بنا المجال هنا لتعدادها. ووضع ديوانه "الفلسطينيات" جامعا فيه قصائده الخاصة بفلسطين. وهناك عدد من كبار النقاد من يعتبر هذا الديوان جرأة ما بعدها جرأة في عرض القضية وأبرز مفترقاتها المصيرية، وبكون هذا الديوان سجل تاريخي جامع لأبرز محطات القضية الفلسطينية. أي أنه صور القضية شعرا في كافة مراحلها.

الهاغاناه تطوق داره وتحاصره
لم تصدق عينا وديع البستاني ما رأت من مشاهد تهجير لأهالي حيفا في عام 1948، وأبى أن يبرح داره التي بناها بجهده وعرقه على الشاطئ الازرق عند المدخل الغربي لحيفا، فبقي فيها مع زوجته، وكان اولاده الاربعة قد وصلوا لبنان ليكونوا في مأمن من هجمات الهاغاناه. وتركت هذه الحالة أثرها الكبير في نفسه، وما قيمة الدار بدون سكانها!، فكتب:

من دون اربعتي والدار بالدار             تبا لربع من الاحباب مقفار
قد كنت بيتي والاولاد فيك وقد             أمسيت صنعة بناء ونجار
بالامس فردوسنا الأرضي عن ثقة             واليوم لا كنت إلا طعمة نار
يا دار أين غدت (ليلى) واخوتها             أغدوا، وانت على سكانك انهاري

وأطبق رجال الهاغاناه الحصار عليه، لعلمهم من هو وما هو الدور الوطني الذي لعبه، ومنعوه من التحرك في الشهور الاولى بعد سقوط حيفا. وضاقت به الدنيا وهو يرى ما آلت إليه فلسطين عامة وحيفا خاصة. وبالرغم من أنه بنى بيتا فخما ذي تصاميم هندسية رائعة وفائقة الجمال، إلا أنه فضل أن يخاطب ياسمينة غرستها ابنته ليلى في حديقة الدار(ما تزال قائمة إلى يومنا هذا بعد رحيل البستاني وابنته عن وجه هذه البسيطة، ويمكن مشاهدتها ولمسها، وهي ـ أي الياسمينة ـ شاهدة على أهل هذه الدار):

يا ياسمينة ليلى            يا سلوتي في نواها
نورت لي بسمات            ضحاكة في لماها
هذي جناية حر             لم يدر كيف جناها
أباك يرى ثراها            دمعا دما لا مياها
غنى العروبة عمرا             وعاش حتى رثاها

عروبي وحر
وإن كانت نشاطات البستاني السياسية خير شاهد على تمسكه بالحق الفلسطيني لعدالته، فإنه كإنسان ذي كرامة ونفس أبية رفض الخنوع والخضوع للحصار الذي فرضته قوات الهاغاناه ثم الحكومة الاسرائيلية عليه، ووضعته تحت مجهر المراقبة، فقرر العودة إلى مسقط رأسه في لبنان، وقبل أن يخطو هذه الخطوة كتب:

حبستم حـرا لا تلين قناتـه            عروبية ان راح يعجم عودها
أبى زادكم والماء والنوم انها            حياة هوان عندكم لا يريدها
كفتني ستوني عزيزا بأمتي            وعيشة مثلي فضلها لا مديدها
تمادت بي الايام حتى رأيتكم            حكمتم فيوما واحدا لا اريدها

داره باقية وشاهدة
وقبل مغادرته حيفا في عام 1953 قام بكتابة وكالة قانونية أودع بواسطتها داره للكنيسة المارونية بحيفا، وما تزال هذه الدار بعهدة هذه الكنيسة باذلة أقصى جهدها في الحفاظ عليها، وتمكن أبناؤها من جعل عدد من طوابقها مقار للمطرانية المارونية في الاراضي المقدسة. وبهذه الطريقة ساهم البستاني في الحفاظ على داره الجميلة، التي أبى إلا أن تكون عند مُلتقى جبل الكرمل والبحر المتوسط، دليلا على العلاقة الوطيدة التي تربط بين أجزاء الوطن الواحد.

وسام الاستحقاق على صدره
ما أن وطئت قدماه أرض وطنه لبنان حتى بادر معارفه على تكريمه على جهوده الوطنية والقومية، وعرفانا بجميله تجاه القضية الفلسطينية، وقلده رئيس الجمهورية اللبنانية وسام الاستحقاق المُذَهّب.

الرحيل
لم يتأقلم وديع البستاني مع الأجواء الجديدة في لبنان. ولم تغمض له عين وهو بعيد عن حيفا الحبيبة وفلسطين الجريحة. فأصيب بحالة من الاكتئاب والضائقة النفسية فارق على أثرها الحياة في عام 1954، مخلفا ورائه إرثا غنيا من المؤلفات والخدمات الجليلة في سبيل الوطن وإنسان هذا الوطن.


4/10/2008



® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600