رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية ما زالت تحرِّك جماهير المضطهَدين - الياس نصر الله
|
قـُتل ناجي العلي في لندن عام 1987 وهو في الطريق إلى بيت صديقه كاتب هذا المقال إلياس نصرالله، الصحافي الفلسطيني المقيم في بريطانيا.
والمقال عبارة عن كلمة ألقاها نصرالله بتكليف خاص من عائلة ناجي العلي بمناسبة افتتاح المعرض الخاص لرسومات ناجي الكاريكاتيرية الذي أقيم في لندن بتاريخ 6 آذار 2008 ولمدة شهر تخللته ندوات سياسية وفنية حول فن ناجي والقضية التي كرّس لها حياته، وذلك إحياء لذكرى ناجي وتكريما له من جانب غاليري"بوليتيكال كارتون" ذي الشهرة العالمية، وهو النادي الوحيد في لندن المتخصص بالرسوم الكاريكاتيرية ذات الطابع السياسي. وفيما يلي نص الكلمة
قبل عشرين عاما تقريبا فقدتُ صديقي العزيز جدا ناجي العلي.
قبل أسبوعين تقريبا من اغتياله، أقام ناجي حفلا صغيرا في الحديقة الخلفية لمنزله. كان ناجي مهتما بالحياة العائلية اهتماما خاصا. كان مضيافا وكريما كعادته دائما هو وزوجته وداد. عدة أشخاص حضروا ذلك الحفل. فناجي ووداد تميزا بحبهم لأصدقائهم والناس عامة. في جلساته كان ناجي رجلا مُسليا جدا.
لا أستطيع نسيان ذلك الحفل، لأن ناجي كان مرتاحا ومعنوياته مرتفعة. لم يتوقف طوال الحفل عن إلقاء النكات وإضحاك ضيوفه. أحب ناجي الحياة وأحب الناس، من دون اعتبار لهوياتهم. كان شفافا للنهاية وانعكست فضائله بأبسط الطرق وأكثرها طبيعية في كل شيء فعله.
في تلك الليلة كان يستوقفني كلما تأهبت لمغادرة الحفل ويهمس لي أنه يريد أن يتحدث معي حول أمر مهم جدا. عندما غادر جميع الزوار، جلسنا وحدنا في الحديقة الخلفية. فجأة ذكرت وداد أن ناجي تلقى تهديدا شفهيا بالقتل عبر الهاتف من القيادة الفلسطينية في تونس. شكل ذلك صدمة بالنسبة لي. اعتقدت بصدق أن ذلك كان تهديدا تنفيذه غير ممكن، بل مستحيلا. أعترف الآن أنني كنت ساذجا في اعتقادي بأننا كمواطنين في بريطانيا، كنا آمنين وأبعد من أن تطالنا أيدي قوى الظلام وأعداء الفكر الحر.
اختصر ناجي الحديث حول الموضوع ونمّ كلامه عن أنه شخص من غير الممكن إسكاته أو تخويفه. حتى هو لم يكن مقتنعا أنهم قادرون على اللحاق به إلى بريطانيا. وأبلغني أنه طلب مني أن أؤجل مغادرتي لا ليتحدث عن التهديد الذي وصله، بل عن موضوع آخر سبق له أن بحثه معي. كان يرغب في إصدار مجلة خاصة به متخصصة بالرسوم الكاريكاتيرية.
في ذلك الحفل، أعرب ناجي عن رغبته في انضمامي إليه شريكا، نظرا لتجربتي في مجال الطباعة والنشر، ولكي أتولى إدارة المجلة وطباعتها، فيما سيتفرغ هو للجانب الأكثر أهمية، الرسوم الكاريكاتيرية.
يوم الأربعاء في 22 تموز 1987 تبادلتُ الاتصالات الهاتفية معه بضع مرات. أراد أن يتأكد بإن لدي ما يكفي من "الغلن فيديخ"، الويسكي السكوتلاندية التي كانت المفضلة لديه. كان من المفروض في تلك الليلة أن نرسم الخطط، لولا تلك الرحلة المشؤومة. كان في طريقه إلى منزلي لبحث الخطة العملية للمجلة، عندما توقف ليُسلـِّم رسمته الكاريكاتيرية اليومية إلى مكتب لندن التابع لجريدة "القبس" الكويتية.
كان يرغب في تخطي كل قيود الرقابة والوصول مباشرة إلى الناس الذين كان يرسم كاريكاتيراته لهم. هذا كان هدف مجلة الكاريكاتير التي كان يحلم بها. لم يكن ذلك مشروعا تجاريا على الإطلاق. فالمال كان آخر شيء يمكن لناجي أن يحسب له حسابا.
منذ أصبح لاجئا فلسطينيا وهو في العاشرة من عمره، أصبحت لديه قضية. قضيته عادلة، لكنها في الوقت ذاته كان لها وما زال أعداء كثر.
ظنوا أنهم بقتل ناجي سيقضون على قضيته. كانوا مخطئين. فرسومات ناجي الكاريكاتيرية ما زالت توزع على مستوى واسع في فلسطين وفي جميع أنحاء الكرة الأرضية وما زالت تحرِّك جماهير المضطهَدين. فحقيقة وجودنا هنا اليوم دليل على فشل مخططات القتلة.
يقول العرب، "من خلـَّف ما مات"، أي من لديه ذرية لا يموت. فناجي ترك وراءه زوجته وابنيه وابنتيه وبالإضافة إلى هؤلاء جميعا حنظلة، ابن أفكاره، الذي جرى تبنيه على نحو واسع ليس فقط في فلسطين، بل أبعد منها بكثير.
مرة أخرى، أشكر منظمي هذه المناسبة وجميع من في هذه القاعة، لما قدّموه من أجل إبقاء القضية التي آمن بها ناجي حية.
2/8/2012
|