هاني الحسن مناضل مقيم على الثوابت - معن بشور
بين مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وقياديي العمل الوطني الفلسطيني، تميّز هاني الحسن بالقدرة على الجمع بين صفات عدة، فهو المناضل المقيم على الثوابت، وهو المفكر في مناخ يطغى فيه العمل على التنظير، والمنظم في حركة تغلب فيها العفوية على الانضباط، وهو المفاوض البارع في خضم العلاقات الصعبة داخل الساحة الفلسطينية وبين الفلسطينيين وأشقائهم العرب، وهو المتشبث العنيد بثوابت شعبه في كل المنعطفات الكبرى من النضال الوطني الفلسطيني، بل هو الوفيّ الصدوق لرئيسه وقائده الراحل ياسر عرفات في زمن تملّص فيه كثيرون، بذريعة او أخرى، من الوفاء لرجل، مهما قيل فيه، يبقى انه افتتح عصر الثورة الفلسطينية المعاصرة التي نشأت في كنفها أجيال وأجيال من أبناء فلسطين والأمة العربية.

كان هاني الحسن خزان أسرار حركته وثورته على مدى عقود، فإذا ما جمعتك به جلسة تدفقت منه الأفكار والأخبار وما يمكن البوح به من الأسرار، فهو لم يكن من الصنف الذي يحاول إملاء آراءه وأفكاره على الآخرين، بل يسعى دوماً إلى الإقناع بالحجة والمنطق وخصوصاً بالمعلومة الدقيقة وغير الرائجة.

حين التقيته في الملتقى العربي الدولي لحق العودة الذي انعقد في قصر الأمويين في دمشق في خريف 2008، وكان في وضع صحي حرج، سألته مستهجناً حضوره في تلك الحال، أجابني ضاحكاً: انه «حق العودة... هل تريدني أن أغيب وأنا ابن فلسطين عن ملتقى يشارك فيه مهاتير محمد من ماليزيا، ورمزي كلارك من أميركا، بل هل تريدني ألا أكون حاضراً في زمن تتركز فيه كل المؤامرات على شطب حق العودة وهو جوهر قضيتنا الفلسطينية»؟

وفي لبنان، وأيام الحرب البغيضة، كان هاني الحسن أحد الشهود الكبار على حقائق طمستها العصبيات، ووقائع غيبتها الأفكار المسبقة والانطباعات الرائجة، لذلك كان ياسر عرفات يختاره في اللحظات الصعبة جسراً مع الفريق الآخر لردم الفجوة، والبحث في المشتركات، فلم تنجح برودة عقله في لجم أصحاب الرؤوس الحامية، ولم يحمه تكليف «القائد العام» له بالمهمات الصعبة من سهام الأخوة والرفاق، وأحيانا من رجمهم له، لأن بعضهم كان يحب الرقص بين لهيب النيران ورائحة الدماء.

حين التقيته للمرة الأولى في المجلس الوطني الفلسطيني العام 1969 لفتني فيه واسع ثقافته وقوة منطقه ودماثة خلقه، وعرفته انه أخ شقيق لأحد شيوخ العمل الوطني الفلسطيني وحكماء (فتح) الراحل خالد الحسن، ولأحد مؤسسي (فتح) المعروفين بصلابة تصل إلى حدود العناد وهو الراحل علي الحسن، ولكاتب شاب يساري الالتزام متمرد على «فتحاوية» الأشقاء هو بلال الحسن (أطال الله عمره) وعرفت أيضاً انهم جميعا أبناء سعيد الحسن الشيخ الجليل الذي جاهد مع الشيخ عز الدين القسّام، ثم أصبح إماماً في مسجد قريته اجزم، المجاورة لحيفا، حتى نكبة 1948. هكذا نشأ هاني الحسن في أسرة هي أشبه بجبهة يتوزع أبناؤها بين تيارات ومنابت فكرية وسياسية، ولكن فلسطين توحدها، والإسلام يحصنها، والعروبة تجمعها.

رحم الله الفقيد الكبير.

* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.

عن السفير
13/7/2012




® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600