عبد الوهاب الكيالي خلاصة جيل فريد - صقر أبو فخر

هو من الجيل العربي النادر الذي انغمر في الفكر القومي التقدمي بكليته، وظل منفتحاً على الأفكار المعاصرة كلها، ولا سيما الماركسية والوجودية، علاوة على الاتجاهات الإنسانية في الفكر والأدب.

فلسطيني من جذور سورية حلبية، أمضى طفولته في يافا، ثم لجأ مع عائلته قسراً إلى عمان، وعاش في بيروت التي أحبها كثيراً، وقدم فيها عصارة فكره وجهده؛ وهي المدينة التي شهدت اغتياله في أحد شوارعها. ولعله كان يتقاسم مع منيف الرزاز، ذي الأصول السورية أيضاً، مصيراً مشابهاً إلى حد ما؛ فأبو مؤنس الذي انتمى إلى «الحركة العربية» السرية مبكراً، التحق بعد ذلك بحزب البعث، ثم تشرد بين عمان ودمشق وبيروت وبغداد حيث كانت نهاية «التجربة المرة» والفاجعة معاً. وكلاهما كان مناضلاً ومفكراً وقائداً لم يتلوث اسمه بأي شائبة على الإطلاق.

أصل عائلته القديم من مدينة حلب. وهذه العائلة ظهر فيها سياسيون وأدباء ومفكرون ومثقفون وفنانون وباحثون ومترجمون وصحافيون أمثال عبد الرحمن الكيالي وفاخر الكيالي (وزير) ولؤي الكيالي (فنان تشكيلي) وحسيب الكيالي (أديب) وفوزي الكيالي (سياسي)، وهؤلاء من سوريا، وشهلا الكيالي (شاعرة) وماهر الكيالي (ناشر ومترجم) من فلسطين، وغيرهم كثيرون. أما هو فكان من الرعيل القومي الذي لم يجد عائقاً أمامه في ترجمة الفكر الماركسي ونشره على الناس، على الرغم مما كان بين التيارين من التباين، ولا سيما في خمسينيات القرن العشرين وستينياته. وتجربة عبد الوهاب الكيالي الفكرية، خصوصاً في «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» تكاد تكون متطابقة مع تجربة بشير الداعوق في «دار الطليعة»؛ ذلك الارستقراطي البيروتي الذي انضم، هو أيضاً، إلى حزب البعث، وتحولت «دار الطليعة» على يديه إلى منبر ماركسي متعدد الاتجاهات، ومصدراً رئيساً لمعرفة الماركسية وترجمة نصوصها المثيرة، وباتت مجلة «دراسات عربية» الخلاصة المهيبة لهذه التجربة الفريدة.

في خضم صعود الأفكار الكيانية بعد هزيمة الخامس من حزيران 1967، ظل عبد الوهاب الكيالي يردد إن «فلسطين هي الاسم الحركي للأمة العربية»، أي أن فلسطين هي الفدائي الذي يقاتل في مقدمة الصفوف، وأن الفلسطينيين هم رأس الحربة في المواجهة مع الامبريالية والصهيونية، ومن المحال أن يتمكنوا من الانتصار وحدهم، من دون العرب.

******

تسربلت حياته بمسارين متوازيين ومتلازمين ومتداخلين معاً: نضاله القومي وإنجازه العلمي. فعلى مساره النضالي تتناثر علامات كثيرة في هذا الميدان؛ فقد كان مناضلاً جدياً منذ يفاعته، فانضم إلى حزب البعث نصيراً في سنة 1956، وأصبح عضواً عاملاً في سنة 1958، وبات عضواً في مكتب فلسطين التابع للقيادة القومية في سنة 1960، وتولى أمانة سر شعبة فلسطين في لبنان سنة 1961. وفي تلك الأثناء كان لا يزال طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد فصل من الجامعة عقاباً له على تنظيمه التظاهرات المناصرة للثورة الجزائرية. لكن إضراباً طالبياً مناصراً له أعاده إلى مقاعد الجامعة. وتجلى نضاله الفلسطيني في إســهامه بتأسيـــس «جبهة التحرير العربية» في 30/12/1968، وصار أمين سرها في سنة 1972 بعدما تعاقب على قيادة هذه الجبهة قبله كل من زيد حيدر وأحمد مرعشلي.

اختير عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1968، وانتخب عضواً في القيادة القومية لحزب البعث (جناح العراق) في سنة 1970، وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من سنة 1974 حتى سنة 1977. أما على مساره الفكري والعلمي فثمة محطات لامعة كثيرة، بدأها في بيروت ثم انتقل إلى الكويت في سنة 1963 ليعمل مديراً لتحرير مجلة «الرائد العربي»، لكنه لم يلبث أن عاد إلى بيروت في أواخر السنة نفســـها ليتولى مسؤولية صفحة الرأي والدراسات في جريدة «الأحرار» التي كان يصدرها حزب البعث في لبنان. وفي هذه الأثناء كان يتابع دراسة الماجستير التي أنهاها فــــي سنة 1965. وحتى قبــــل أن ينــال الدكتوراه في سنة 1970 ترأس تحـــرير مجـــلة «فلسطين الحرة» Free Palestine سنة 1968، ثم أنشأ «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في سنة 1969. ولاحقاً أصدر مجلة «قضايا عربية» سنة 1974، ثم أسس في لندن «مركز العالم الثالث للدراسات والنشر» سنة 1976، وترأس تحرير «النشرة الإستراتيجية» التي كان المركز يصدرها بانتظام.

******

طمح عبد الوهاب الكيالي إلى تحفيز الفكر العربي على الخروج من ركوده، وتدشين عصر النقد والنظر والتفكر، ولا سيما أن هزيمة الخامس من حزيران 1967 أطلقت موجة كبيرة جداً من المراجعة النقدية للفكر القومي.

وفي هذا السياق أصدر «موسوعة السياسة» في سنة 1979، وتولى بنفسه رئاسة تحريرها، ثم أصدر «الموسوعة العسكرية» وعهد بها إلى الضابط السابق في الجيش السوري الهيثم الأيوبي (أبو همّام)، وأفسح في المجال للمئات من الباحثين الشبان العرب للعمل والتدرب في هذه المشروعات العلمية الرائدة. واللافت ان عبد الوهاب الكيالي كان مغامراً فكرياً من طراز رفيع، فقد غامر بنشر كتب مثيرة للجدل وخطيرة بمقياس سبعينيات القـــرن المنصــــرم مثل «موسوعة الفن» لثروت عكاشة التي منعتها الدول العربية والإسلامية كلها تقريباً لاحتوائها صوراً للنبي محمد وللصحابة، فضلاً عن صور تجسد بعض القصص القرآني. وفي هذا الميدان المعرفي نشر كلاسيكيات الفكر النهضوي العربي مثل أعمال الطهطاوي وعلي عبد الرازق وأمين الريحاني، وحتى عبد الرحمن بدوي. وكانت خطته أن ينشر 360 كتاباً في السنة، أي كتاب واحد في اليوم.

******

في غمرة انهماكه في قضية شعبه، وفي معمعان الانشغال بالفكر القومي التقدمي، لم يتمكن عبد الوهاب الكيالي من الانصراف إلى نفسه البتة. غير أن كتابين من كتبه صارا مرجعين ثمينين لدارسي قضية فلسطين وتاريخها المعاصر هما: «تاريخ فلسطين الحديث» و«وثائق المقاومة العربية الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية».

لم تمهله الأيام كثيراً فسقط وهو في الثانية والأربعين في أحد شوارع المدينة التي أحبها، والتي صرف فيها أجمل سني عمره، ومنحها عصارة فكره، فاغتالته أيدي الغدر في مكتبه بحي ساقية الجنزير في بيروت في 7/12/1981 حين كان معرض بيروت العربي للكتاب في ذروة فاعلياته، وكان هو نفسه أحد المساهمين في هذا المعرض، ودُفن في عمان. وبذلك طوى تراب الأردن جثمان شخصية لامعة من أعلام فلسطين الكبار.



من يافا إلى بيروت فعمان
- ولد في يافا سنة 1939.

- انتقلت عائلته إلى الأردن جراء نكبة 1948

- درس المرحلة الابتدائية في يافا، وتابع دروسه في عمان.

- انضم إلى مدرسة برمانا العالية سنة 1951، وتخرج فيها سنة 1958.

- التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1958، وتخرج فيها حاملاً شهادة في العلوم السياسية سنة 1961.

- حاز الماجستير في العلوم السياسية سنة 1965.

- سافر إلى بريطانيا سنة 1966، ودرس في جامعة لندن، ونال منها الدكتوراه سنة 1970.

- عاد إلى بيروت ليتابع نضاله السياسي ونشاطه الفكري، فأصبح أميناً لسر «جبهة التحرير العربية»سنة 1972 بعدما كان أنشأ «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» سنة 1969.

- تزوج فتاة أميركية تدعى سوزي، وله منها ابنتان: رندة وكندة.

- اغتيل في بيروت في سنة 1981.

- أبرز مؤلفاته: «المطامع الصهيونية التوسعية» (1966)؛ «الكيبوتس: المزارع الجماعية في إسرائيل» (1966)؛ «تاريخ فلسطين الحديث» (1970). وله أيضاً «وثائق المقاومة الفلســطينية العـــربية ضـــد الاحتــلال البريطاني والصهيونية» (1968)، علاوة على «العرب والامبريالية» و«الصهيونية والامبريالية العنصرية».


عن فلسطبن - ملحق السفير
العدد 26 - الجمعة 15 حزيران 2012 - السنة الثالثة




® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600