ابو عرب: السوريون اختاروا لي اسمي... وأحب 'العتابالحزنها وتعبيرها عن الفراق والثورة!
التقى درويش قبل وفاته في حمص وكان الشاعر متشائماً
|
التقته: فاطمة عطفة: مهابة جليلة في الإطلالة، شموخ في القامة، تواضع ودي صادق وحميم في اللقاء، عذوبة في الصوت آسرة وإن تخللتها نبرات شجية مؤثرة، إنه الفنان والشاعر والمناضل الفلسطيني الكبير (أبو عرب)، وهو ابن شهيد وأبو شهيد، بدأ مسيرته النضالية في المظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر، أثناء معارك القناة وبطولات شعب مصر في مواجهة القوات الاستعمارية والصهيونية في ذلك العدوان، كما بدأ مشواره الغنائي من إذاعة صوت العرب.
هذه القامة الفلسطينية العالية تذكرك بأن صاحبها من زمن جمال عبد الناصر، الزمن العربي الجميل. قامة لا تنحني إلا لخالقها، وإن كانت تحمل أعباء ثمانين سنة من هموم العرب وكوارثهم، لكن صوت الفن الفلسطيني الأصيل يظل مشحونا بالأمل الكبير. لقاء (أبو عرب) وحضور حفله الفني الكبير في أبوظبي من اللحظات الغالية التي لا تنسى في حياتي وحياة كل من شاهده من محبيه، ومع شكري الجزيل له لتفضله بهذا الحديث لقراء 'القدس العربي'، أرجو أن يمده الله بطول العمر والشباب المتجدد والهمة العالية ليبقى صوته صداحا إلى يوم النصر والفرح العظيم، وإلى ما بعد العودة والتحرير... واترك هذا الحوار الذي كان ختامه مسك مع اسم الشاعر العظيم محمود درويش ولقاءه مع الفنان أبو عرب.
الفنان إبراهيم محمد صالح الملقب بـ (أبو عرب)، حدثنا عن اختيار هذا الاسم؟
أبو عرب اختيار الجماهير العربية السورية، كنت أطلع وأقود المظاهرات وأخطب أيام 56 وقت حرب القناة، كنت أخطب ساعة ارتجالي، حتى سموني أحمد سعيد سوريا أثناءها، وصاروا ينادونني (أبو عرب) قبل أن يجيئني عرب، كان اسم ابني الكبير محمد، لكن لما جاءني ابني الثاني سميته (عرب)، هكذا كان اختيار هذا الاسم'.
بعد الاسم، سنبدأ من التجربة الوطنية والقومية، كيف ترى الوضع العربي الآن؟
أنا كفلسطيني فرحت لما جرى في مصر وتونس فرحت كثيرا، حتى ما جرى في ليبيا سرني ولو أني خائف من ليبيا بعض الشيء. لكن لما أنظر لحالة العراق وما جرى فيها ومدى انتكاسة العراق بسبب الاحتلال الأمريكي، والعملاء الحاكمين باسم الثورة وهم سبب ما جرى ودخلوا مع الدبابات الأمريكية، وأنا كفلسطيني جبلت على كره أمريكا، فأي إنسان يمشي مع أمريكا أكرهه، وأعتبر أن عدوتي الأساسية هي أمريكا ومعها إسرائيل'.
هل ترى أن أمريكا هي التي تعطي الأوامر إلى إسرائيل، أو اللوبي الصهيوني في أمريكا هو الذي يؤثر على أمريكا؟
اللوبي الصهيوني في أميركا هو الذي يمشِّي الرئيس الأمريكي حسب رغبات إسرائيل، وبزيارة نتنياهو للبيت الأبيض طرح ضرورة ضرب إيران، من أنت حتى تقول مثل هذا الكلام الخطير؟ وهو راح إلى أميركا ليشوف مدى مساعدة أمريكا بضرب إيران. فأنا برأيي أن الرئيس الأمريكي طمأنوا وقال: لا تتعب حالك راح نضربها أنا وإياك، ليش تنفرد بضربها؟! هذا يعني أن اللوبي الصهيوني في أمريكا هو الذي يمشِّي السياسة بأمريكا'.
من منظور قضية فلسطين ومن خلال تجربتك الطويلة، كيف ترى ما يجري في المنطقة من انتفاضات الشعوب والأحلام بالحرية والعدالة وما يسمى بالثورات العربية وانشغال كل دولة بمشاكلها، هل هو لصالح إسرائيل حتى تبقى الأقوى أم أن الأمل بهذه الشعوب يظل كبيرا؟
أنا مبسوط جدا لما جرى في مصر لأن أمريكا لن تجد حاكما أكبر وقاحة من حسني مبارك الذي وافق على إقامة جدار بين مصر وغزة والذي قال وزير خارجيته: من يخرج من حدود غزة نكسر رجله، يعني موتوا مكانكم! لكن يبقى الأمل في مصر لأنها تبقى أم الثورات العربية من أيام عبد الناصر، ثم بدأت الانتكاسات بالعرب بعد رحيل ناصر وما حل بالعرب بسبب انتكاسة مصر. وأنا كل ما أتمناه أن ينتبه العرب، فليس كل حركة هي ثورة ولا كل من نادى بشعار يجب أن يصدقوه.
كيف ترى الأمور في ليبيا؟ بالأمس بدأ التقسيم من برقة والصراع بين القبائل ما زال ينذر بأخطار شديدة، كيف ترى صورة المستقبل؟
مستقبل مظلم ومؤلم، بكل أسف، إذا استمرت الحالة بهذا الشكل. إذا كل قبيلة تريد أن تستقل وتحكم نفسها، فهذا خطأ وخطر كبير. المناداة بالفيدرالية والتقسيم يؤدي إلى الفوضى والاقتتال، وهذا ليس لصالح ليبيا ولا لصالح العرب.
كيف ترى قضية فلسطين ومواقف القادة من كل ما يجري في الساحة العربية؟
أنا أرى أن الشعب الفلسطيني والقادة الفلسطينيين عليهم أن يبقوا على الحياد ويبحثوا أمورهم ذاتها، لا يجوز أن ننحاز لهذا الطرف أو ذاك، بل علينا أن نبحث في وحدتنا ونهتم بقضيتنا'.
لا بد من التطرق إلى سوريا، وخاصة أنك قادم من هناك وأنت من سكان حمص، كيف ترى الأوضاع هناك وكيف تتجه بعد مجيء كوفي عنان؟
لا أحب أن أعطي أي كلمة عن سورية، شعب سورية شعب طيب وغالي على قلبي والحكومة السورية طيبة(!) وأنا لا أحب أن أنحاز لأي طرف، موقعي كفلسطيني أن أكون على الحياد وأنا أتمنى الخير والأمان للشعب السوري، وهمومي كلها تبدأ وتنتهي في فلسطين.
سنعود إلى الفن وهذه الذاكرة الذهبية التي ما زالت تحتفظ بكل هذا التراث الغنائي الوطني الجميل، كيف عودت هذه الذاكرة على تسجيل هذه الملاحم الغنائية التي ألهبت جمهور مسرح أبو ظبي كبارا وشبابا؟
أنا جدي شاعر، وشاعر ينظم على البحر والقافية، ابن عمتي الفنان ناجي العلي، نحن من عائلة مناضلة فنية، أنا أبوي شهيد سنة 48، ابني شهيد سنة 82، أنا ولدت في الثلاثينات في (قرية الشجرة)، ولدت مع ثورة 36، ثم كانت الهجرة بمعنى ولدت بين المآسي والقتال والشهداء والثوار، فمن هنا استلهمت هذا التراث الفني، لقد جاءتني إغراءات كثيرة لأن أترك الوطنيات وأغني أغاني فيها فلوس كثيرة، لكن ماحبيت أن أدخل هذا الطريق الفني واخترت الطريق الوطني والتزمت في تقديمه'.
في أي سن غنيت، وهل تتذكر أول أغنية قدمتها؟
غنيت أول مرة في إذاعة صوت العرب، حيث دعيت إلى برنامج فلسطين وكان يقدم رسائل إلى الأهل في فلسطين، أذكر أول أغنية قدمتها منها هذا المقطع: والبارحة عند الغروب، عنت عـ بالي ديرتي...'.
الفنان أبو عرب، كيف يحفظ التراث الغنائي الشعبي ليقدمه، قراءة أو عن طريق السرد الشفهي؟
التراث الشعبي سماعي من أجدادنا وآبائنا وما يرويه الناس، لكن لي أغاني أنا ألفتها ولحنتها وغنيت لأول مرة، عندي أكثر من 350 أغنية، آخذ من اللحن الشعبي وأحوله إلى وطني، منها الأغنية الجديدة التي قدمتها يوم الحفل على مسرح أبو ظبي عنوانها (أطفال نزلت عل الحارة) لذلك بعض الأغاني مأخوذة من اللحن الشعبي لكن الكلمات ثورية، أنا عندما غنيت في لبنان لأن لبنان فيه حرية، كنت أقدم أغاني كلماتها تنتقد سياسات العرب'.
ما هي الأغنية التي تحبها وترددها لنفسك؟
أكثر ما أردد وأحب العتابا، لأن فيها نغمة حزينة وفيها فراق، ومنها أيضا ثورية، كما سمعت يوم الحفل أشياء منها محزن ويذكر بالوطن: ديار الوطن عن عيني بعيدا/ وأنا النهدات رددها بعيدا/ أشوف الناس فرحانة بعيدا/ شو لي بالعيد وحبابي غياب'.
ويشرح الفنان بو عرب عن فن العتابا فيقول: عتابة الحزن تخفف عني بعض الشيء وخاصة في غياب الأحبة والأهل، أقول فيهم: 'حبابي شيلوا للهم خلوا/ وسقوني من مرار الصبر خلو/ كل من ما اجتمع مع شمل خلو/ سوى عن خلتي صاروا غياب.
حدثنا بشيء عن الفنان الشهيد ناجي العلي؟
ناجي رفيقي رثيته بشريط كامل، كان متنبئ بأنهم سوف يغتالونه، دائما كان يقول لي: لا أعرف أني أرثيك بريشتي أو أنت ترثيني بصوتك! قلت فيه: مال البلابل خرس/ أعيا عليها القول/ وصوت الإذاعة بحزن/ عزى القدس مخجول/ والكل يصيح بألم/ صحيح مش معقول/ ناجي العلي يا وطن/ بيد الأهل مقتول!'.
لما سمعت خبر وفاة الشاعر محمود درويش هذه القامة العالية، كيف كان وقع الخبر عليك؟
تألمت كثيرا سيما أنه كان قبل سنة من وفاته عندنا في مدينة حمص، كان عنده حفل في الصالة الرياضية، أتذكر أنني جئت إلى الصالة قبله عندما جاء التفت وشافني احتضنني لمدة خمس دقائق فرد جمهور الصالة بتصفيق حاد، وفي اليوم التالي اتصل معي وجلسنا لمدة نصف ساعة'.
عمَّ تحدثتما في ذلك اللقاء؟
كان متشائما جدا من كل ما يجري.
عن القدس العربي
19/4/2012
|