حنا نقارة ، أحبَّ الحياة وأحبَّ شعبه ووطنه دون حدود! - نائلة نقارة أبو منة
|
أيها الحضور الكرام أُسعدتم مساء
احب والدي شعبه ووطنه وأخلص له وفي كلمتي سأتركز على الجانب الانساني من حنا نقارة.
أود أن ابدأ كلمتي هذه بالشكر للمساهمين والاخوة المشاركين في إحياء هذه الامسيّة، أود أن اشكر الاخ عصام مخول رئيس معهد اميل توما والاخ يوسف خوري رئيس المجلس الملي الارثوذكسي الوطني وأعضاء المجلس المحترمين لتقديمهم قاعة الكنيسة ومشاركتهم في التحضير لهذه الامسية والى كل من ساعد في التحضير لهذا اللقاء وأيضا ابن العم المحامي فؤاد نقارة.
في هذه الامسية نحتفل بصدور الطبعة الثانية من مذكرات الوالد التي سيتحدث عنها بالتفصيل الاخ الدكتور عطاالله قبطي الذي قام بتحرير الكتاب فشكرا له، وكانت الطبعة الاولى قد صدرت في عام 1985 عن دار الاسوار بادارة يعقوب حجازي وتحرير الكاتب والشاعر حنا ابراهيم فلهما شكري الجزيل .
إن فكرة نشر طبعة جديدة من الكتاب قد تبلورت بعد استفسارات من جانب العديد من المهتمين في البلاد والخارج بمسيرة الوالد النضالية ، في حين أن الجيل الناشئ يجهل وللاسف مسيرة الرعيل الراحل من قادة شعبه في الوطن ولا يعرف عن تلك المرحلة شيئا. ولذا ترى البعض منهم قد اتصل مستفسرا عن دور حنا نقارة ونشاطه قبل 1948 وبعدها لاجل بقاء ما تبقى من شتات الشعب الفلسطيني على أرضه.
إنه من الواجب الوطني أن يتعرف ابناء الجيل الجديد على تاريخه، وعلى الشخصيات الوطنية التي رافقت والدي لتكون قدوة له ومثالا للتضحية والعطاء، بغية تمكين وتقوية انتمائهم للوطن ولهويتهم ومحبتهم لشعبهم الفلسطيني وقوميتهم العربية.
إن عملية صدور الطبعة الثانية هذه، بحلتها الجديدة، ما كانت سترى النور لولا مساعدة عدد من الاساتذة الكرام: الشاعر والأديب حنا أبوحنا، والأديب حنا ابراهيم، والمحامي وليد الفاهوم، والاستاذ سلمان ناطور وزوجي الدكتور بطرس أبومنة والاستاذ فتحي فوراني الذي اشرف على عملية التدقيق اللغوي والدكتور عطاالله سعيد قبطي لاشرافه على عملية تحرير الكتاب، للجميع اكنّ وافر المحبّة والعرفان. وشكري أيضا للدكتور مصطفى كبها والدكتور مصطفى عباسي على المادة القيمة التي قدماها للكتاب .
وأخيرا، أود أن أقدم شكري الخاص الى المسؤولين في مؤسسة الدراسات الفلسطينية: خاصة الى الدكتور سليم تماري، لتفضله باتاحة الفرصة لنشر مذكرات الوالد عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت التي هي نافذة لكل انتاج فلسطيني . أشكر ألاستاذ صالح العباسي لاحضاره نسخا من رام الله لعرضها على الجمهور.
إن هذه الامسية تصادف عيد ميلاد ابي طوني الـ 100 وليس تاريخ وفاته وكان ابو طوني يشترك معنا في تحديد تاريخ الاحتفال بعيده لانه احب الحياة والوطن والارض. وها نحن نتذكره هنا في حيفا في يوم الارض. احب الطبيعة والبحر وجبل الكرمل وها نحن نحيي ذكراه ونستقبل فصل الربيع معه. احترم المرأة ودافع عن حقوقها وأحب الام والزوجة والابنة والاخت والحفيدة وها أنا أكرمه باسم المرأة وشهر آذار المرأة .
نال والدي شهادة المحاماة من جامعة دمشق عام 1934 وكان بودنا أن ننشر في الكتاب بعض الوثائق المهمة عنه لكن احترق غالبيتها خلال أحداث الـ 1948 مع ما حواه مكتبه من كتب وملفات ووثائق، كما استولت الهاجاناه على البيت ومحتوياته عندما احتلت حيفا في نيسان عام 1948. لقد دافع عن الثوار في فترة الانتداب واستمر بالدفاع عن حقوق ابناء شعبه بعد الـ 1948 وهكذا لقد تقبلنا عطاءه المتفاني وعدم انانيته التي كانت لنا اشبه بمشعل ومثل اعلى ودرب سرنا به وحافظنا عليه . ساندته الوالدة ووقفت الى جانبه وادركت اهمية عمله والتضحية التي يقوم بها . كان والدي ابن الشعب يفهم مشاعر الناس ويتألم لألمهم.
لقد تعودنا اخي الحبيب طوني وانا ان لا نقضي امسيات دافئة وحدنا مع الوالدين لأنه عندما كان يتواجد الوالد في البيت كان المكتب الليلي كما كان يسميه ابو طوني يبدأ بالعمل وهكذا كنا نعيش معه مشاكل المواطنين العرب من حيفا وغيرها في فترة الحكم العسكري وبعدها او عندما كان يغادر البيت متأخرا بالليل بسبب الاعتقالات وما اشبه ذلك كنا نسهر مع الوالدة بانتظاره. احيانا كنا نستيقظ لمساعدة الوالدين باستقبال رفيق عاد متأخرا بالليل او منفيا او متظاهرا تطارده الشرطة هرب ليمكث الليله في دار ابي طوني. اذكر فترة الاستئنافات للمحكمة العليا بخصوص الهويات الحمر والزرق كيف كانت الوفود تمكث الليل عندنا في البيت فكان البيت يمتلئ والشرفة والدرج هاربين خوفا من ان تجدهم الشرطة وترمي بهم الى عبر الحدود قبل حصولهم على الهوية الزرقاء. احب أبو طوني حزبه الشيوعي وافتخر بالانتماء له وكان احد قادته ودافع عن الرفاق وأحبهم جميعا.
لقد كنت قريبة من الوالد وعملت عنده في المكتب ومع شريكه مناحم فاكسمان وعندها عرفت حنا نقارة المحامي والمناضل العنيد الذي يأبى الاستسلام ولا يعرف الخوف. واذكر كيف كنت في اوائل الستينيات اذهب الى مركز الشرطة في شارع يافا لاحصل له على تصريح من الحاكم العسكري للسفر الى الناصرة وكنت عندها اشعر بالاهانة والمذلة ولكن وعلى الرغم من ذلك احببت العمل معه واحسست بتعبه ومعاناته مع ابناء شعبنا ولكنه في نفس الوقت كان يبث فينا روح الامل والعزة والشجاعة وعلّمنا عدم الانانية والتضحية لان هذه الخصال والقيم تمثلت في ابي طوني واسلوب حياته.
تميز ابوطوني بالحكمة ورحابة الصدر، احب الانسان ولم يميز بين انسان وآخر وبغض النظر عن العرق او الطبقية او الدين احب الجميع وابتسم ابتسامته العريضة الصادقة للجميع، كان متفهما للآخر وصبورا وهكذا ساهم في الوفاق وسعى الى التعاون بين جميع فئات شعبنا لم يخرج وفد او مجموعة او اعضاء مجلس محلي من بيتنا الا بعد ان يتفقوا ويتصالحوا واعدين بالتعاون لمصلحة قريتهم.
كان دائما على استعداد للقيام بالمساعدة والعديد العديد من المرات كان يعمل بدون اي مقابل لا بل يصرف من جيبه رسوم الدعاوي احيانا نتلقى مقابل عمله قرطلة تين او زيتون او خمس بطيخات ولم نسمعه يتذمر ابدا لان المادة لم تهمه.
وبودي قبل انهاء كلمتي ان اذكر جانبا آخر من شخصيته، لقد احب ابو طوني الادب والشعر والادباء والشعراء ابتداءً من صديقه ابو سلمى. وقد نشأت في حيفا في سنوات الخمسين نخبة جديدة من الكتاب والشعراء تمحوروا حول مجلة الجديد ونالوا منه كل دعم وتشجيع. وكان بيتنا مفتوحا لهم وكثيرا ما كان يقضي الامسيات الادبية معهم امثال الاستاذ حنا أبوحنا ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم وكان اللقاء يشمل ايضا المرحومين الرفاق اميل توما واميل حبيبي.
وبدافع ايمانه العميق بان مستقبل هذا الشعب يعتمد على مستواه العلمي والثقافي عمل مع اعضاء المجلس الملي الارثوذكسي على انشاء الكلية الارثوذكسية وواكب نموها الى ان وصلت للمستوى الرفيع الحالي.
لقد عاش ابو طوني حياته بأكملها واستغل كل لحظة منها الى آخر ايامه، لم يترك الكتابة والقراءة وكان آخر ما كتبه كتاب عن مصادرة الاراضي باللغة الانكليزية الذي دوّن فيه كل ما اختبره وعالجه من قضايا مصادرة الاراضي ودفاعه من اجل استرجاعها الى اصحابها الشرعيين والذي سيصدر قريبا أيضا.
أزور قبر الوالد بين الحين والآخر وأضع زهرة على ضريح الرفيق اميل توما وتوفيق طوبي أيضا الذين يرقدان بالقرب من قبره وعندها أخاطبهم لانني أشعر بانهم ما زالوا معنا كالشعلة تضيء لنا الطريق.
إن أمثالهم مثل الشجرة الدائمة الخضرة وهم كما قال الدكتور خالد تركي كانوا حماة الديار.
إن تراثهم الزاخر باق معنا يثرينا ويدفعنا الى الامام.
أشعر وهكذا يشعر كل من عرف الوالد واحبه بأنه لا يزال معنا لأن روحه وذكره الطيبين ستعيش معنا. واخيرا المعذرة ان اطلت في الحديث وشكرا لكم على اصغائكم ومشاركتكم.
(ألقيت في أمسية لذكرى الراحل الكبير في حيفا الأسبوع الفائت)
عن موقع الجبهة
10/4/2012
|