فلسطين والأغنية المصرية - شاهين أبو العز
من المحال اكتشاف أقدم أغنية عربية عن فلسطين لصعوبة البحث في هذا المضمار جراء تناثر تسجيلات الإذاعات العربية، وعدم وجود مراجع موثوقة، علاوة على اندثار كثير من التسجيلات القديمة.

ويعتقد سليم سحاب أن أولى الأغنيات في هذا الحقل كانت للملحن السوري عبد الغني الشيخ في سنة 1946 وغناء المطربة السورية سهام رفقي، وهي أغنية «يا فلسطين جينالك جينا وجينالك جينالك، كلنا رجالك جينالك تنشيل حمالك جينالك»، ثم أتبعها بأغنية ثانية غنتها سهام رفقي أيضا، وتقول كلماتها: «مرحى مرحى قتلى وجرحى، مرحى مرحى بالملايين، قتلى وجرحى لفلسطين، مرحى مرحى مرحى» (أنظر مجلة «شؤون عربية» العدد 142، صيف 2010). وفي الإمكان القول إن قصيدة «فلسطين» لعلي محمود طه والتي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب هي أول أغنية مصرية عن فلسطين بعد نكبة 1948، ويقول مطلعها: «أخي جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدا». ثم ظهرت أغنية سعاد محمد «يا مجاهد في سبيل الله، ده اليوم اللي بتتمناه» التي لحنها رياض السنباطي وغنتها في فيلم «فتاة من فلسطين» في سنة 1948. ومع قيام ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، وخصوصا بعد العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، انتشرت مجموعة من الأغاني والأناشيد عن مصر وفلسطين مثل نشيد «قولوا لمصر تغني معايا» الذي شارك فيه عبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب وعبد الغني السيد وسعد عبد الوهاب ومحمد عبد الوهاب، وفيه مقطع عن فلسطين يقول: «قولوا لعرابي أخدنا بتارك ملّي خانوك، خرج الغاصب اللي شرانا ملّي باعوك/ واللي باقيلنا نخلص تارنا لفلسطين». وفي تلك الأثناء غنت فايدة كامل «البركان العربي الهادي جالوا وقت وثار» التي تقول فيها: «جيش جبار، جيش جرار/ صوتو بيدوي يا فلسطين، دقت ساعة التار»، وكذلك نشيد «لآخر نقطة بدمي» لفايدة كامل أيضا (ألحان علي إسماعيل وكلمات يوسف شوقي) الذي تقول فيه: «أنا عملاق قواه كل ثائر، في فلسطين وفي أرض الجزائر». وغنى محمد قنديل (ألحان أحمد صدقي) بعد عدوان 1956: «غزة غزة إحنا فداها، أرض العزة ما أغلاها، غزة غزة ما حننساها».

في سنة 1963 لحن محمد عبد الوهاب نشيد «صوت الجماهير» الذي شارك في غنائه كل من وردة وفايز أحمد وفايدة كامل ونجاة وصباح وعبد الحليم حافظ، وفيه المقطع التالي: «باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا، قول للصهاينة المعتدين/ راية العروبة عرفت طريقها، من عام تمانية وأربعين». وفي سنة 1965 غنى محمد عبد الوهاب «وعرفنا الحب» وفيه: «وحياة حبك، لأجل عيونك يا فلسطين، راجعين راجعين/ جيش تحريرك إيدو في إيدنا، بكرا حيعلن عيدو وعيدنا».

غداة هزيمة الخامس من حزيران 1967 ظهرت رائعة سعاد محمد (كلمات محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطي) التي تقول فيها: «يا قدس يا حبيبة السماء قومي إلى الصلاة». وفي سنة 1969 لحن محمد عبد الوهاب قصيدة نزار قباني «أصبح عندي الآن بندقية» التي غنتها أم كلثوم، ولعلها الأغنية الوحيدة لأم كلثوم عن فلسطين على الأرجح. ثم لحّن سيد مكاوي (كلمات فؤاد حداد) أغنية «ولا في قلبي ولا عيني إلا فلسطين»، وأتبعه بأكثر الأغاني شهرة «الأرض بتتكلم عربي» (كلمات فؤاد حداد أيضا)، والتي يقول مقطعها الأخير: «الأرض بتتكلم عربي ومن حطين، ردي على قدس فلسطين، أصلك مية وأصلك طين» (سليم سحاب، المصدر السابق نفسه). أما فريد الأطرش فقد اشتهرت من بين أغانيه الوطنية أغنية «المارد العربي»، وفيها مقطع يقول في ختامه «مش رح ننساك يا فلسطين». وغنى أيضا للأخطل الصغير قصيدة «ثورة فلسطين» التي يقول مطلعها: «سائل العلياء عنا والزمانا/ هل خفرنا ذمة من عرفانا».

هذه بعض الأمثلة الأولية عن حضور فلسطين في الغناء العربي في مصر، ولا ريب أن القائمة تطول لو أمكن تتبع جميع أغاني الأفلام والمناسبات الوطنية وتسجيلات الإذاعة المصرية وصوت العرب.

الفلسطينيون والسينما المصرية

كثيراً ما تتردد في الأفلام المصرية القديمة، بالأسود والأبيض، أسماء جبرائيل تلحمي وبدر لاما وإبراهيم لاما. والمتابع لتاريخ هذا الفن الحديث يعرف أن جبرائيل تلحمي (الفلسطيني من بيت لحم) هو أحد صنّاع مجد السينما المصرية إلى جانب الأخوين لاما. والأخوان لاما (بدر وإبراهيم) من عائلة «الأعمى» في الأساس، وقد هاجر والدهما إلى تشيلي على عادة أهل بيت لحم، وهناك صار اسم العائلة «لاما» لاستحالة لفظ حرف العين في كلمة «الأعمى». وقد عاد الأخوان إلى مصر وأسسا شركة الشرق للإنتاج السينمائي في سنة 1926. ومن المنتجين الفلسطينيين الذين ساهموا في هذا الميدان بدر الدين جمجوم من الخليل.

ولاحقاً ظهرت أسماء رياض العريان (والد طارق العريان المنتج والمخرج وزوج المطربة السورية أصالة نصري) وحسين القلا ومي المسحال. ومع أن معظم الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم في سنة 1948 اتجهوا نحو لبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة، فقد كانت حصة مصر من اللاجئين قليلة جداً، إلا أن أعداداً من الفلسطينيين استقرت في مصر لاحقاً، ولا سيما في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فأضيفت إلى أعداد غير محددة من الفلسطينيين كانت تقيم في مصر قبل النكبة، ولا سيما من يافا وجوارها، لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. ومن أبناء هذه الجالية لمع، في ما بعد، عدد من الممثلين السينمائيين أمثال هالة صدقي (الأب فلسطيني الأصل) وزهرة العلا ونادية لطفي (الأب فلسطيني والأم يونانية) وصفية العمري (الأب فلسطيني) وحسن عابدين، علاوة على نجوى فؤاد (والدتها فلسطينية من يافا)، وعبد السلام النابلسي يعود في أصوله إلى مدينة حلبا في عكار وقبل ذلك إلى مدينة نابلس الفلسطينية.



المصدر - السفير - فلسطين
العدد 14 - السنة الثانية
11/11/2011





® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600