ريم بنّا تأخذنا معها.. من بيروت إلى الناصرة - غدي فرنسيس

ريم بنا في مسرح بيروت.. (زينون النابلسي)

قبل أن تسافر عائدة إلى فلسطين، ودّعت ريم بنّا بيروت على طريقتها. جلست إلى يمين الإعلامي والشاعر زاهي وهبه، على خشبة متواضعة في مسرح بيروت في عين المريسة. فلسطين كانت روح اللقاء، وكانت رائحة ابتسامتها. وفي الخلفية، كلمات محمود درويش وكلمات عنه.

لقاء حميم بين فلسطين في عيون بيروتية وفي عيون ريم المناضلة. كل من أتى تكلم معها. "مشنشلة" بالفضة والألم، ابتسامة لا تنطفئ وعيون عميقة، وصوت يأخذنا إلى قرى وذكريات فلسطينية.

في البدء، تحدث زاهي وهبه عن الإحاطة اللبنانية لوجود ريم، ثم ألقى قصيدته "ليتني كنت مطرحك". القصيدة كتبها إلى ريم ونشرها في الزميلة "الحياة". يقول لها ختاماً: "غنّي! في صوتك ماء زهر وعندليب، غنّي ليرتجف الجندي تحت خوذته أو ينتابه الحنين إلى بلاده البعيدة، لا أهل له هنا، لا ذاكرة لا ذكريات". في كلماته وإلقاءه اختصر كثيرا مما يختلج القلب، من بيروت إلى الناصرة. نقلنا إلى المعابر والقرى والحواجز والمواجهة الحياتية اليومية مع الجنود الإسرائيليين داخل ما يعرف بـ"فلسطين 48".

.. ثم وقفت، وأخذتنا إليها بتهليلة فلسطينية "يا ليل ما أطولك". صوتها يضرب الروح بالقشعريرة. وحيد دون آلات موسيقية مرافقة... سحر البحة الأنثوية لفّ عود الكلمات الشعبية الفلسطينية، فكانت الرحلة. وهكذا تناوبت مع الشاعر، قصيدة أخرى له عن فتاة فلسطينية أصابها الشلل بسبب قذيفة إسرائيلية: "قدماك تسيران في الأرض لا عليها...". وبين الرحلة والرحلة، تحدثت ريم مع الحضور عن تجربتها. شرحت عن زيارتها إلى مخيم شاتيلا: "في عيونهم حالة انتظار. رغم معاناة أهلنا اللاجئين والظروف القاهرة التي يعيشون فيها، هناك أمل دائم بالعودة. الجميع يقولون أنهم عائدون إلى بيوتهم. حضنتني امرأة كبيرة في السن وهمست: خليني أشم فيكي ريحة فلسطين..".

وقفت الإمرأة الصلبة بحنجرة تخرق جدار الصوت وأنشدت أغنية إلى اللاجئين: "سافر وخدني معاك بفطر على دُقة، بصبر على الجوع ما بصبر على الفرقة".

ودخل محمود درويش إلى الأمسية، هو الذي أطلق على ريم تسمية "فيروز فلسطين". وتحدّث زاهي عن زيارتهم إلى شقة درويش في عمان بعد موته، حيث أهداه احمد درويش عددا من أقلام محمود درويش. وألقى قصيدته إلى الشاعر الراحل "أقلام محمود درويش": أيكرهنا الرب ويحب شعوباً أخرى؟ حفظنا الأغنية ونسينا النشيد".

لاحقاً، صعد جهاد الهنداوي (14 سنة) بكوفيته إلى المسرح، وألقى قصيدة محمود درويش "أيها المارّون بين الكلمات العابرة" بنبرة يافوية مميزة. عائلة جمال الهنداوي من يافا ولاجئة في مخيم شاتيلا. بين الحضور، والديه يتمتمان معه القصيدة.

وعاد المذياع إلى يد الناصرية المشرقة: "سأغني لكم أغنية شعبية كانت النساء تغنيها للأسرى، يدخلن حرف اللام إلى الكلمات للتمويه كي لا يفهمهم جنود الاحتلال. وينشدون الأغنية مروراً بقرب السجن، فيفهم المعني من الأسرى أنهم سيأتون الليلة ليحرروه".

بعد انتهاء رحلة صوت "ماء الزهر" كما يسميه زاهي، دار حوار بين الحضور وريم فتحدثت عن بيروت وجمال لبنان وناسه وعن شارع الحمراء الذي وجدته كما تخيّلته وعن رصيف "الويمبي" الذي تصوّرت عليه وعن المخيمات المتألمة وعن الفرح والمحبة، فلم يستجب الحضور اللبناني الناقم على بلده. مداخلات عدة عبرت عن ذلك، واحدة طالبت: "خبريني عن الناصرة، لا تخبريني عن شارع الحمراء..".

وأجابت ريم: "الناصرة تشبه زحلة، بيوتها قرميدية ترقد على تلال مطلة على مرج ابن عامر. جميلة، رغم أن الاحتلال أساء للقرى والمدن كثيراً، لا ميزانية للاهتمام بها ولا نشاطات ثقافية، الغريب أن معظم النشاطات الثقافية في الضفة وغزة ومناطق 1967 وطبعاً القدس. أما الجليل الفلسطيني فيشبه لبنان كثيراً في اللهجة والأشكال وشرب العرق والتبولة..".

دارت بعض الأسئلة، ثم صعد الجميع إلى الخشبة ليأخذ صوراً مع الفلسطينية العائدة إلى الناصرة، أملاً بلقاء قريب ريثما تسمح ظروفها وظروف فلسطين 1948.

عن السفير
19/12/2010




® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600