حملت إلينا أخبار غزة، أمس، خبراً حزيناً جديداً يضاف إلى مجموعة أخبارها التي لا تُسرّ أحداً. فقد توفي المناضل الفلسطيني عبد الله حوراني في مدينة عمان بينما كان يستعد للسفر إلى بيروت للمشاركة في مؤتمر الائتلاف الفلسطيني لحق العودة، وكان يحمل معه مشروعاً لتوحيد حركة العودة التي كثيراً ما عانت من التشرذم والاتجاهات المتعاكسة.
عبد الله حوراني مناضل مشهود له في التاريخ الحديث للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وقد أفنى عمره في النضال السياسي والثقافي والشعبي، فالتحق في بداياته الأولى بحزب البعث العربي الاشتراكي، وناضل في صفوفه ضد مشاريع التوطين التي كانت رائجة في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وضد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع في سنة 1956. وعلى الرغم من ذلك أبعدته سلطات الإدارة المصرية عن موطنه في سنة 1963 بسبب نشاطه السياسي، فغادر إلى دبي ليعمل في حقل التدريس. لكنه لم يطل الأمر به حتى أُبعد ثانية في سنة 1965 للسبب نفسه، فجاء إلى سوريا التي تولى فيها مناصب رفيعة، فكان مديراً لإذاعة فلسطين من دمشق، ثم مديراً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ثم مديراً لمعهد الإعلام في دمشق.
لم يتحمّل أبو منيف انشقاق حزبه إلى حزبين، فآثر أن ينصرف كلية إلى العمل الفلسطيني، فالتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وتولى دائرة الإعلام والتوجيه القومي في سنة 1969، ثم أسّس الدائرة الثقافية في المنظمة. وفي أثناء وجوده على رأس هذه الدائرة المهمة نشر عدداً لا يحصى من الكتب لأدباء وشعراء وكتّاب وباحثين فلسطينيين وعرب، فأسهم في تحفيز الكتابة الإبداعية، وفي رعاية الأقلام الجديدة، حتى أن العصر الذهبي لهذه الدائرة يُحسب لعهده بالتأكيد.
ظل عبد الله حوراني المولود في قرية «المسمية» في قطاع غزة سنة 1934، هو هو في خضم التقلبات السياسية التي عصفت بالفلسطينيين وبالقضية الفلسطينية: قومياً عربياً تقدمياً في صفوف الفلسطينيين، وفلسطينياً وطنياً في أجواء القوميين العرب. لهذا لم يرَ في اتفاق أوسلو إنجازاً سياسياً على الإطلاق، فعارض إعلان المبادئ هذا، واستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وانصرف إلى النضال الشعبي، فأسّس «المركز القومي للدراسات والتوثيق» في غزة، ثم «التجمع الشعبي للدفاع عن حق العودة»، وانهمك في جهد متضافر في غزة وعمان ودمشق وبيروت والضفة الغربية لتوحيد المجموعات المتفرقة الناشطة في إطار حركة العودة الفلسطينية.
بموت أبو منيف تسقط حبة جديدة من العنقود الجميل الذي ضم إلى عروقه مئات المناضلين والمفكرين والمثقفين الفلسطينيين، والذي قدم حباته وعصارته في واحدة من أهم حركات التحرر الوطنية في العالم، أي الثورة الفلسطينية. وكأنني بهذا الموت المفاجئ أفقد صديقاً في زمن تهاوى فيه معظم الأصدقاء إما استشهاداً أو خيبة أو جنوناً أو انتحاراً، وكأن ذلك العنقود الفلسطيني الذي طالما احتضن الجميع يتناثر رويداً رويداً مثل أوراق الخريف أو مثل حبيبات الطلع.
عن جريدة السفير
30/11/2010
|