اليدا غيفارا تحمل الكثير من «تشي»: الحرية هي الكلمة الأجمل على وجه الأرض
|
اليدا على خطى أبيها
وسام متى-السفير- كانت اليدا غيفارا في الرابعة من عمرها عندما غادر والدها كوبا إلى الكونغو ليستكمل مسيرة تحقيق أحلامه الثورية التي «لا تعرف الحدود». بعدها بثلاثة أعوام، أَعدم عملاء الاستخبارات الأميركية إرنستو «تشي» غيفارا، بعدما وقع في الأسر خلال إحدى جولات القتال في غابات بوليفيا، ليتحوّل إلى أيقونة ومصدرَ إلهامٍ لملايين المناضلين اليساريين حول العالم.
وتتخّذ الذكرى الثالثة والأربعين لاستشهاد غيفارا هذا العام طابعاً مميزاً في بيروت، حيث تشارك اليدا في إحيائها، من خلال المشاركة في «منتدى التضامن عن الثورة الكوبية»، التي أسهم «تشي» في انتصارها عام 1959.
«ذكرياتي مع والدي قليلة للغاية»، تقول اليدا في إحدى مقابلاتها الصحافية. لم تره سوى مرّة واحدة بعدما غادر إلى الكونغو، حين قام بزيارة سرية إلى هافانا... وهي لم تعلم يومها أنه أبوها. تروي اليدا تلك اللحظات لصحيفة «غارديان» البريطانية قائلةً:
«بعدما تناولنا العشاء، وقعت على الأرض، وأصيب رأسي. نهض الرجل من مقعده على أساس أنه طبيب. أشرف على علاجي. ثم حملني وضمني إلى صدره بحنان فائق.... كنتُ متأكدة أن هذا الرجل يحبّني بشكل خاص، ولم أكن أعلم أنه والدي، لأنه لم يتمكن من إخباري بذلك».
برغم ذلك، ثمة بعض من شخصية «تشي» متجسد في اليدا: طبيبة هي مثل أبيها، ماركسية في أفكارها، تحمل الكثير من ملامحه الفيزيولوجية... والأهم، أن أحلامهما تبدو متشابهة.
تسعى اليدا إلى الحفاظ على الإرث النضالي لـ«تشي» ونقله إلى أصقاع العالم، من خلال إشرافها، إلى جانب أخيها ارنستو، على مركز للدراسات يحمل اسم غيفارا، و«يدرّس كل شيء عن حياته، بكل تفاصيلها، الشخصية والسياسية والاجتماعية».
ولعل إصرار اليدا على العمل شخصياً للحفاظ على إرث والدها ـ بالرغم من أن اسم «تشي» وحده ظل كافياً خلال العقود الأربعة الماضية لاستنفار المناضلين اليساريين حول العالم ـ مردّه إلى سببين: الأول شخصي، حرّكته أمّها اليدا مارش، الزوجة الثانية لـ«تشي»، التي «نقلت إلينا حبّها الكبير لزوجها»، و«استطاعت أن تربّينا نحن الأبناء الخمسة على أفكاره». أما الثاني، فهو محاولة قوى السوق الرأسمالي تشويه تلك الصورة الشهيرة التي التقطها يوما المصوّر الشهير البيرتو كوردا لـ«تشي»، وتحوّلت بعد استشهاده إلى أيقونة ثورية، عبر تحويلها إلى مجرّد «ماركة» ترويجية لسلع اقتحمت المجتمعات الفقيرة لكي تبقيها أسيرة للنزعة الاستهلاكية المُعولمة، وهو أمر دفع بأليدا قبل سنوات إلى رفع الصوت عالياً للتعبير عن رفضها «استثمار صورة تشي لتحقيق الربح التجاري».
ما زالت اليدا ملتزمة العمل على تحقيق أحلام «تشي». بعض هذه الأحلام أصبح قريباً من الواقع، لا سيما حلم توحيد أميركا اللاتينية. ومن هنا حماس اليدا الدائم للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي نجح في وضع الحجر الأساس لمشروع التكامل الأميركي اللاتيني المعروف باسم «ألبا»، وهو أمر يمكن تلمّسه في كتابها «تشافيز، فنزويلا، وأميركا اللاتينية الجديدة».
أما أحلام «تشي» الأخرى، فما زالت اليدا تسعى لتحقيقها، حاملة «كل الحب لقضايا الشعوب العادلة»، ومحدّدة قضية أساسية لنشاطها تتمثل في «محاربة الجوع والفقر والمرض والأمية».
القيم الإنسانية لـ«تشي» ماثلة دوماً في كل ما تقوله اليدا. أجمل تلك القيم، بحسب رأيها، كانت «قدرته على الحب»، فـ«لكي تكون ثورياً حقيقياً عليك أن تكون رومانسياً». وانطلاقاً من هذا المفهوم كان «تشي» يتمتع بالقدرة على أن يضحي بنفسه لتحرير الانسانية. أما الحرية والثقافة فرديفتان عندها: «الحرية هي أجمل كلمة ينطقها كائن بشري على وجه الأرض، لكن لا يمكن أن تستمتع بها إلا الشعوب المثقفة».
تتبنى اليدا مفهوماً خاصاً للعمل السياسي، وهو مغاير تماماً عن المفهوم المتداول: «كلنا منخرطون في السياسة. لا نمتهنها. لكننا نعيشها». هكذا، يبدو نشاطها بعيداً عن الإطار الرسمي. فقد عملت طبيبة في مستشفى «وليم سولير» في هافانا، ثم التحقت ببعثات طبية في كل من أنغولا والإكوادور ونيكاراغوا. كما تنشط في مجال حقوق الإنسان والمساعدة في تحقيق التنمية في الدول الفقيرة.
«تشي» سيكون حاضراً في قصر الأونسكو في بيروت يوم السبت المقبل: ابنة تحمل إرثه. ثورة تحمل قِيَمه. وشبّان يستلهمون مسيرته.
8/10/2010
|