إفطار جماعي رمضاني في كنيسة الروم الكاثوليك! - رسالة وطنية رائدة فتحي فوراني - حيفا
|
جميل جدًا أن يلتقي الأحبة أبناء الشعب الواحد..تحت سماء هذه الخيمة الرمضانية الواحدة..ولا سيما في رحاب هذا المكان المقدس..الذي تحرسه العين الساهرة قدس الأرشمندريت أغابيوس (إيهاب) أبو سعدى. لقد فتح هذا الرجل قلبه الدافئ وصدره الواسع وعقله الراجح..لينفتح على جميع أبناء شعبنا من مختلف الطوائف. فله عميق الشكر والتقدير منّا جميعًا على هذه المبادرة الوطنية والواعية والمسؤولة.
جميل أن يلتقي إخوة يجمعهم تاريخ واحد..وحاضر واحد..ومستقبل واحد..وحلم واحد.
أرأيتم كيف يتمترس الإخوة في خندق واحد..تحميهم سماء واحدة!
إن هذا اللقاء يحمل رسالة وطنية اجتماعية إنسانية حضارية..من الدرجة الأولى!
إنها رسالة نبيلة..وواجبنا كمربّين أن نثقف أبناءنا والأجيال الصاعدة على حملها وتبنّيها وممارستها على أرض الواقع..
وواجبهم أن ينقلوا الأمانة بإخلاص وأمانة.. إلى الأجيال القادمة..حتى تتواصل الأجيال..وتواصل المسيرة إلى شواطئ الحياة المشتهاة..
فبورك المبادرون الذين ساهموا في إبداع هذا اللقاء المبارك..
**
إن العديد من أبناء شعبنا يعانون خللا في الانتماء..ويتخبطون بين الهويات الثقافية والاجتماعية والوطنية والقومية..وبحاجة إلى بوصلة!
وواجب القيادات الدينية التقدمية المتنورة أن تأخذ دورها..أن تكون في الصفوف الأولى من طليعة الموكب..وأن تحمل الشعلة..لإنارة الطريق أمام الأجيال الصاعدة!
ولا نعفي أنفسنا..تقع علينا جميعا مسؤولية كبرى..تجاه حاضرنا..وتجاه مستقبل أبنائنا..ومستقبل شعبنا في وطن آبائه وأجداده..
ولا نرضى لأنفسنا أن نكتفي بالوعظ والإرشاد..
على الخطاب أن ينزل عن برجه العاجي..ويقوم بدوره الفاعل في الساحة..ويدا بيد مع القوى المتطلعة لإبداع عالم آخر!
ولنبدأ بأنفسنا..لنبدأ بتنظيف بيتنا وتنظيف مدرستنا وتنظيف ساحاتنا وتنظيف حدائقنا من "الأعشاب الضارة"..
فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته..
**
علينا أن نمارس هذه الرسالة قولا وفعلا..على أرض الواقع..يوم يوم..وأن لا يقتصر ذلك على المناسبات السنوية!
**
وإلى صفحة أخرى..لنطل من خلالها على ما حولنا..من البؤر الساخنة!
إن الواجب الديني والأخلاقي والإنساني والوطني والقومي يدعونا لأن ننزل عن السياج..ونخلع عن أنفسنا ثياب المتفرجين!
أحد المفكرين الثوريين قال ذات يوم: ليس لي مؤخرة كالثور لأدير ظهري لآلام الآخرين!
لا نستطيع إلا أن نقف إلى جانب الحق في صراعه مع باطل بهيمي شرس..لا دين له ولا رب له..ولا ضمير!
لا حياد في جهنم..
والرجال مواقف!
**
فهل ننام وشراع الحق حطام؟ هل ننام؟
"كرهت أن أنام شبعان وجاري جائع"..هكذا علمنا الرسول العربي.
فهل ننام وإخوة لنا يعانون حصارًا لا نظير له في التاريخ..ولا يجدون الخبز والحليب لأطفالهم..لا يجدون الماء والدواء والوقود..وينامون في العراء وعلى أنقاض أطلال كانت بيوتًا..وتحت السماء والطارق؟
هل ننام وشراع الحق حطام!؟
لن ننام!
**
وعود على بدء..
نحن شعب واحد..فينا جميع ألوان الطيف كباقي شعوب الدنيا..
وكلنا مستهدفون..كلنا مستهدفون..شئنا أم أبينا!
نحن مستهدفون ليس كطوائف..بل كشعب أَصرّ ويصرّ أن يبقى ويلتحم بوطن آبائه وأجداده ليعيش حياة حرة كريمة.
فلا وطن في الدنيا.. يعادل هذا الوطن..ولا وطن لنا إلا هذا الوطن الجميل..
**
جاء في الموروث الشعبي الذي تركه لنا آباؤنا وأجدادنا..أن الدار لا يحميها إلا رجالها!
ونحن نقول: لا يحمي مجتمعنا إلا أبناؤه وبناته..ورجاله ونساؤه..وشيبه وشبانه..
وواجب المتنورين التقدميين من أبناء شعبنا أن يحموا مجتمعهم..أن يغرسوا روح المحبة والاحترام المتبادل والتآخي الحقيقي بين أبناء الشعب الواحد.
**
فالتعددية الدينية حقيقة واقعة وليست خيارًا فرديًا إراديًا..ونحن نريد لهذه التعددية..أن تكون مصدر إثراء ثقافي وحضاري..يصبّ في المصلحة العليا لشعبنا الباقي في وطن آبائه وأجداده!
واحترام "الآخر"..واجب اجتماعي وأخلاقي وقومي وإنساني..وعلى ذلك نستطيع أن نفرض على "الآخر" أن يحترمنا..وعندها قد نقف على مشارف "خير أمة أخرجت للناس"!!
إن المصلحة القومية والوجودية تتطلب منّا أن نكون جسمًا واحدًا عصيّا على الكسر..إذا شكا منه عضو..شكت سائر الأعضاء وتداعت له بالحمّى والسهر!
وفي نهاية المطاف..يظل الدين لله..والوطن للجميع..
**
جاء في الموروث الشعبي عن حميمية العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد..ما يشيع على ألسنة الآباء والأجداد: كان بيننا عيش وملح..وأكلنا من صحن واحد..
في "الصحن الواحد" يكمن السر!
ألا نحضّ أنفسنا وندرب أبناءنا على إحياء تراث العيش والملح..والتحلّق حول "الصحن الواحد"!؟
ألا ينطوي هذا الإفطار الرمضاني في حضرة الكنيسة على رسالة نبيلة وشريفة نحملها إلى جميع أبناء شعبنا وأمتنا في هذا الوطن وفي الوطن العربي الكبير!؟
**
نحن نريد لهذه الأمسية أن تكون رمزًا لوحدة أبناء شعبنا..
نريدها أن تصبح تقليدًا وطنيًّا يُقتدى به ليعمّ خارطة هذا الوطن.
أما الأصوات التي تغني خارج السرب..وتعزف على إيقاع الوسواس الخناس..فشعبنا بريء منها..لا هي منّا ولا نحن منها..
إنها لا تمثل إلا نفسها..ولا تخدم إلا الأجندة المعادية لشعبنا..ولا علاقة لها بالمعدن الطيب لهذا الشعب الطيب..
**
إن هذه الأعياد والمناسبات الدينية..ملك لشعبنا كله..
فرمضان والفطر والأضحى والهجرة النبوية والمولد النبوي الشريف..ملك لشعبنا كله..
وأعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة المبارك..ملك لشعبنا كله..
وعلينا أن نرتقي بهذه الأعياد الدينية لتكون رافعة في سبيل تقوية أواصر المحبة والتضامن والتواصل بين أبناء الشعب الواحد..
نريد لهذه المناسبات الدينية أن تكون أعيادًا وطنية..تعزز المشترك بين الإخوة.. أبناء هذا الشعب النبيل..وابناء هذا الوطن الجميل!
**
وفي نهاية المطاف..لا يصح إلا الصحيح..وأما غيره فباطل الأباطيل وقبض الريح..
**
ذات يوم وقف رسول المحبة والسلام على جبل التطويبات..وأطلق جملته الشهيرة: أنتم ملح الأرض!
وكأني برسول المحبة والسلام عنى فيما عناه عناصر الخير حاملة الرسالة التي تسعى لخلق المجتمع الأفضل!
فأنتم ملح الأرض..أنتم ملح الأرض..
بوركتم يا ملح الأرض..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
**
(نص الكلمة التي ألقاها الكاتب في حفل الإفطار الرمضاني الذي دعت إليه كنيسة الروم الكاثوليك مساء الثلاثاء 24-8-2010. وتحدث في الحفل كل من سيادة المطران إلياس شقور وقدس الأرشمندريت أغابيوس (إيهاب) أبو سعدى والشيخ رشاد أبو الهيجا إمام جامع النصر في حيفا والسيد محمد شريف أمير الجماعة الإسلامية الأحمدية. وتولى عرافة الاحتفال الأستاذ نايف خوري)
27/8/2010
|