سهى بشارة: بناء لبنان يكون بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية - ابراهيم شرارة
لن تعرف سهى بشارة عما ستتحدث أمام الحاضرين في قاعة الـ «ويست هول»، في الجامعة الأميركية في بيروت. ستكرر السؤال مراراً: «عن شو بدي أحكيكم؟ وبأي موضوع بدي أقنعكم؟». في فرنسا مثلاً، أو في أي دولة أوروبية، كانت لتتحدث عن القضية الفلسطينية، أو عن العمليات الاستشهادية ربما، «أمّا هنا، أمام جمهور عربي، فعن ماذا سأتكلم؟ عن النكبة، عن حرب الـ67، عن أيلول الاسود، عن تلّ الزعتر، عن المجازر في المخيمات..».

لن تطول حيرة الأسيرة المحررة كثيراً. هي أرادت ربما تصنّع تلك الحيرة لتصل إلى القضية الأساسية من وجهة نظرها، هنا، وفي هذه المرحلة: الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان.

دقيقتان أو ثلاث للبداية، كانت كفيلة بأن تعتري صوتها نبرة غاضبة، مع قليل من الحزن، أو الأسف ربما. صوت لم يهدأ لنحو ساعتين، هي مدّة الندوة التي شاركت فيها، ضمن فعاليات أسبوع الفصل العنصري في بيروت»، بعنوان «نساء في النضال: نداء إلى الجيل القادم» في الوست هول في الجامعة الاميركية في بيروت.


سهى متحدثة في الندوة (علي لمع)
وحديث بشارة لا يمكن له إلاّ أن يتشعب، لكنه في كل مرّة يعود إلى حيث تريد أن تكون حاضرة، بقوة. الحقوق المدنية، ثم الحقوق المدنية، مرّات ومرّات، لا كخدمة نقدمها للفلسطينيين، كما تقول، بل لأنفسنا.

من هذا الباب تدخل بشارة إلى لبنان. «الجميع هنا مع القضية الفلسطينية، والجميع ضد التوطين. من (سمير) جعجع إلى (ميشال) عون إلى حزب الله و«أمل» واليسار. لكن كل طرف من الإطار الذي يراه لنفسه. هذا الإطار تحديداً هو ما يجب إعادة التفكير فيه، وليس القضية بحد ذاتها».

مقدمة لا بد منها لتقول في وقت لاحق من الندوة: «المطالبة بالحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان موضوع يجب أن يستوقف كل واحد منا». تقول ذلك، وتسخر من التذرع بالحساسيات الطائفية المرتبطة بهذا الموضوع: «إذا اعطيناهن حقوقهن بصير بدهن يقعدوا عنا»، أو مثلاً: «الفلسطينيون سنّة، ولا يوجد فلسطينيون مسيحيون، وهذه مشكلة. كلهم من السنة، كيف إذا قرروا أن يتشيعوا لاحقاً؟! هيدي مصيبة أكبر».

تستحضر أيضاً حال البلد: «بلد ما فيه شي راكب. شيء واحد ظلّ في خلال كل تلك السنوات ثابتاً، هو حياة الفلسطيني داخل المخيمات». ثم: «في الفترة الأخيرة، استطعنا أن ننزل الناس بالملايين، ملايين هنا وملايين هناك، تحت شعار رفعه البعض: كيف يمكن أن نبني بلد القانون والعدالة الاجتماعية، وبلد الديموقراطية، وأن يعيش أبناؤنا فيه بسلام. يرفعون هذا الشعار، وفي الوقت نفسه يمارسون العنصرية تجاه الفلسطينيين المقيمين هنا».

وفي المقابل: «الأحزاب التي تتلطى خلف القضية، وأيضاً الأحزاب التي سقط لها شهداء في سبيل القضية، هذه الأحزاب ولا في مرّة عملت تظاهرة جدّية لأجل الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان».

وتؤكد: «إذا أردنا أن نبني هذا البلد، فهناك بوابة عبور واحدة، هي الحقوق المدنية للفلسطينيين، فلا يمكن بناء بلد بوجود قوانين عنصرية».

قبل ذلك وفي خلاله، تمرّ بشارة في حديثها على المرحلة التي تعرفت خلالها الى القضية الفلسطينية. في العام 1982، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا: «هيدا الفلسطيني لو كان عندو هويّة، متل غيره، لكان قدر يطلع من المخيم، قبل ما يجزّروا فيه».

وتحكي عن تجربتها في المقاومة وفهمها لها: «إن متّ، فهذا يعني بداية جديدة. الطريق هو نفسه، لكن إلى حيث وصلت، سيكمل غيري من بعدي».

تحكي أيضاً عن القضية عندما تصير مناسبة: «في حدث معين نلتقي، ونفترق بعده، ثم ننتظر صدمة لنتحرك. الصدمة تأتينا مِمن؟ من الإسرائيلي. ننتظر صدمة من الإسرائيلي: مجزرة مثلاً، أو حربا. وعندها فقط نعود لنتحرك».

وأيضاً، عن الانتفاضة الفلسطينية: «لا شيء أعنف وأقوى من وقوف شعب أمام ملاّلة. كانت هذه الثورة قادرة على فعل الكثير، لذلك أسرعوا في إخمادها. وفلسطين إذا كانت تريد أن تقف على قدميها فعليها الوقوف بوجه ملالة».

وتستدرك: «استطيع قول أي شي، إلا أن أقول للشعب الفلسطيني كيف يقاوم»، فالمقاومة اللبنانية وصلت إلى ما هي عليه، بحسب بشارة، لأنها تعلّمت من المقاومة الفلسطينية. «الأم الفلسطينية هي التي علمتنا كيف نحمل البارودة، ومن نضالها ودورها في المخيمات تعلمنا أن نناضل في قرانا وبلداتنا».

وتضيف: «اعتاد العرب، للأسف، أن «يتفلسفوا» على الفلسطينيين ووسائل دعمهم. لكن الدول العربية لم تكن ترى في القضية الفلسطينية قضية شعب، بل كانت ترى فيها قضية مصالح. ولو كان الوضع غير ذلك لكنّا عاملنا الفلسطينيين باحترام في الدول العربية».

وتصل بشارة إلى نتيجة تبدو واضحة بالنسبة إليها: إذا كان يمكن لعب دور لدعم القضية الفلسطينية على المستوى الشخصي، هنا في لبنان، فهو من خلال أمرين: تبنّي قضية الحقوق المدنية، وتكريس أسبوع الفصل العنصري، كنشاط دائم، في الجامعة الأميركية وفي غيرها من الجامعات في كل لبنان، «لا أن يتوقف عند حدود كلية العلوم في الحدث، بل أن ينظّم في الفنار أيضاً، ليه لأ».




عن السفير
12/03/2010




® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600