اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي في حوار شامل: هل فتح لازالت حركة تحرر وطني؟ - حسن عبد الحليم
|
كان الحديث معه ممتعا. ورغم أنه دخل العقد الخامس من عمره إلا انه ما زال يتمتع بحيوية الشباب. وبخلاف الكثيرين ممن ترعرعوا في حضن الثورة الفلسطينية ما زال اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي ثائرا. لم تثنه الضغوط ولم تستهوه المناصب، ولم تفت من عضده الصعوبات، وبقي أحد الأصوات الحرة.
شارك في حرب لبنان، وفي التصدي لاجتياحات وهجمات إسرائيلية لا تعد ولا تحصى، وأصيب عام 89 بيده. دخل إلى فلسطين عام 2000 ضمن قوات الأمن الوطني، وأصبح فيما بعد من أشد المعارضين لاتفاقات أوسلو ومن الداعين لإلغائها.
|
|
كنا خلال انعقاد مؤتمر فتح على تواصل، وكم كان محبطا حينما فشل صديقه حسام خضر في الفوز بمقعد في اللجنة المركزية للحركة، وأعرب حينها عن خيبة أمله، ولكن غضبه كان مميزا في هدوئه.
يقيم في بيت لحم، مهد السيد المسيح، منذ أن تقاعد من الأمن الوطني الفلسطيني عام 2006 برتبة لواء. مثقف يكتب الشعر والمقالة السياسية، وعرفناه في أكثر من مكان كمحلل عسكري وفي أماكن أخرى كمحلل سياسي.
للحوار معه نكهة خاصة. ينتقل بك من لبنان إلى فلسطين وبالعكس دون محطة توقف.. وينتقل بين الماضي والحاضر بسلاسة. يذكر أسماء كثيرة، قسم تعرفه وآخر لم تسمع به قط، ويجول أمكنة كثيرة..
أجريت الحوار معه مع انتهاء جلسات المجلس الثوري لحركة فتح وبروح القرارات التي أعلن عنها. والشرقاوي لديه ما يقول في كل ما يتعلق بالشأن الفتحاوي والفلسطيني.
المفتاح للمصالحة الوطنية: عودة فتح للبرنامج النضالي
ولدى سؤاله عن قرار المجلس الثوري تشكيل لجنة خاصة لوضع إستراتيجية لاستعادة قطاع غزة، قال الشرقاوي إن عودة فتح إلى برنامجها النضالي إلى جانب الحوار والمصالحة هما المفتاح لحل الأزمة الفلسطينية وكل ما هو غير ذلك هذيان.
وشدد الشرقاوي على أن الطريق ستكون سالكة لأية مصالحة إن تبنت فتح كما في السابق خيارا نضاليا مميزا عن الجميع، وليس سلوكا مبنيا على ردة الفعل، بل الاعتراف العلني والصريح، وهذا لن يعيبها أبدا، بأن المجتمع الإسرائيلي وبتحريض من حكوماته المتعاقبة غير مؤهل لخيار السلام, ونحن، آي فتح، نمتلك نفسا أطول، وآخر ما نفكر به في الأوضاع الراهنة هو دولة فلسطينية.
إما دولة في حدود 67 مع حق العودة أو دولة واحدة
وأضاف الشرقاوي قائلا: على اسرائيل أن تختار إما الأرض وإما السلام، إما تنفيذ القرارات الدولية وخاصة قرار التقسيم 181 وقرار حق العودة، وإما القبول بدولة على كامل حدود الرابع من حزيران مع القدس، مع حق العودة، أو القبول بخيار دولة ثنائية القومية دولة لكل مواطنيها بدون تفرقة عرقية او دينية او مذهبية.
وعن قرار المجلس الثوري في دورته الأخير تشكيل مجلس استشاري، أو مجلس حكماء، الخطوة التي اعتبرها البعض ترمي لإشاعة أجواء المصالحة داخل الحركة، وإعادة الاعتبار لمن لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى مركزية الحركة من ناحية، ومن ناحية أخرى استرضاء لمن لم ترق له نتائج المؤتمر، قال الشرقاوي: كنّا نتمنى نجاح أطر الحركة في أدائها، لتصويب أداء الحركة بدون مجلس استشاري أو مجلس (حكماء) لأن ثقافة أطرنا القيادية عدم استشارة أي مستشار، والطريق الأصوب والأقصر لتصويب الأداء هو إشاعة الديمقراطية الحقيقية داخل كافة اطر الحركة، وحماية عضوية أعضائها، تمهيدا لتشكيل رأي عام محترم داخل الحركة توطئه لنقلة إلى داخل المجتمع الفلسطيني، وغير ذلك اعتقد أن الأطر ستبقى مستغرقة في نقاش بيزنطي تختلف فيه على جنس الملائكة، وكم من الملائكة يستطيعون الوقوف على رأس الدبّوس، ووحش الاستيطان يلتهم الأرض ويهوّد ويؤسرل الأرض بشكل متسارع..
هل فتح لا زالت حركة تحرر وطني؟
ويرى الشرقاوي أن النقاش الصائب الذي يجب أن يكون مدخلا لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعادتها الى نصابها الصحيح هو طرح السؤال بكل جرأة وصدق: هل فتح لازالت حركة تحرر وطني؟ أم أنها غادرت موقعها؟ واعتبر الشرقاوي أن هذا السؤال المدخل قد يعتبر الخطوة الأولى لِلم الشمل الفلسطيني، إن كانت لازالت حركة تحرر.
ودعا إلى نقاش هادئ وصادق ومعمّق، بعيدا عن شعار ديمومة الثورة، وشعلة الكفاح المسلح، ودعا حركة فتح إلى الإعلان وبشكل واضح لا لبس فيه أن مشروعها الوطني الأوحد وهي ترزح تحت الاحتلال -مقاومة الاحتلال بكافة أشكاله، ومزاوجة المقاومة بكافة أشكالها بالمفاوضات.
وأردف: عليها اختيار نماذج التحرر العالمي وطرد الاحتلال وانتزاع الاستقلال الوطني وهناك أكثر من نموذج في العالم الجزائر، فيتنام،غاندي في الهند، نلسون مانديلا جنوب أفريقيا، حسن نصر الله لبنان، أو أن تكسّر المجاديف وهي في عرض البحر، وبذلك سيكون شاطئ السلام كالسراب سهل مشاهدته لكن من المستحيل الوصول إليه.
أين شرعية الشعب؟
ويشكك الشرقاوي في جدوى المفاوضات مع إسرائيل، ويقول: ما كان يحصل في الماضي يحصل الآن. في الماضي كان يفاوض كامل عريقات والآن صائب عريقات، وكان الوسيط مستر دل والآن توني بلير ، لم يتغيّر شيء على الإطلاق، بل العكس عاد نفوذ الإقطاع السياسي وتعزز الحضور والنفوذ السياسي القديم للعائلات والتي كانت مثارا للجدل داخل المجتمع الفلسطيني، وكل التنظيمات تتشدق بالشرعية ! لكن أين شرعية الشعب؟
وعن الأداء العام للسلطة الفلسطينية يقول الشرقاوي: هناك مفارقات خطيرة في المفاهيم كيف لسلطة من المفروض أن تمثل الشعب وتعبّر عنه، أن تقبل بتوني بلير ممثل الرباعية سليل بلفور، الذي يعتبر في بلده مجرم حرب، وهو من اقنع بوش باحتلال وتدمير العراق لصالح إسرائيل، كيف يقبل به مبعوث سلام ووسيط نزيه. يستحضرني هذا القول على ضوء تفكير السلطة في أن يفاوض عنها ضمن الوفد الفلسطيني شخصيات أميركية ... ان كان الأمر كذلك لماذا لايفاوض عن الفلسطينيين توني بلير بعد أن يقر جهارا نهارا أن أسرئيل تحتل أرض الشعب الفلسطيني، وأن الجانب الفلسطيني قد نفّذ جميع استحقاقات خارطة الطريق وخصوصا الاستحقاقات الأمنية .
بلير سليل بلفور
وتابع الشرقاوي: إسرائيل لازالت تبتز ألمانيا وسويسرا وعدة دول في إطار استغلالها للمحرقة(الهولوكوست) لحد الآن علما أن دول المحور جميعها اعتذرت لإسرائيل وتدفع لها سنويا المليارات وتمدّها بالسلاح (غواصات الدلفين الألمانية)، اما بريطانيا بلير لم تعتذر للفلسطينيين عن تسليم بلادهم للاحتلال الإسرائيلي، واقترفت بحق الشعب الفلسطيني جرائم حرب. ولم تعتذر وتقبل السلطة بتوني بلير سليل بلفور والانتداب البريطاني وسيطا!
ودعا الشرقاوي حركة فتح إلى إعادة النظر في خياراتها في ظل المستجدات في المواقف الدولية، وقال هناك أكثر من مشهد شاخص أمام فتح في الوقت الراهن، منها موقف ممثل الاتحاد الأوروبي كريستيان بيرغر المتمثل بالربط بين استمرار المساعدات المقدمة للسلطة وبين استئناف المفاوضات. وتصريح باراك اوباما بأنه بالغ بقدرة إدارته في الضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرئيلي (الضحية والجلاد) أي تخلي أوباما عن تصريحاته السابقة بخصوص دولة فلسطينية للفلسطينيين قابلة للحياة، وتصريح اشد أعداء الشعب الفلسطيني شيمعون بيرس بأن اوباما رفع سقف توقعات أبومازن بأن جعل أبومازن يصعد فوق شجرة عالية وسحب السلم، وأن ابو مازن يلعب بالنار. وموقف وزير خارجية مصر ابوالغيط القائل بان علينا ان لا نضيع الوقت- والعبرة بالنتائج، ولا داعي لشروط مسبقة لاستئناف المفاوضات أي تخلى الجانب العربي عن المفاوض الفلسطيني. والموقف الروسي المتمثل بتصريحات لافاروف، وزير الخارجية الروسي، باستحالة عقد مؤتمر سلام في موسكو بدون استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستدركا أن إسرائيل لا تمانع بالعودة إلى المفاوضات أي تحميل فشل المؤتمر للطرف الفلسطيني.
فتح كمن يعيش بين زمنين
وقال الشرقاوي إن فتح كمن يريد أن يمسك بزمنين في آن معا وتعيش أزمة مستقبل حقيقية، عليها أن تتملص من اتفاقيات أوسلو المجحفة أولا لأنها قيدت نفسها بالاعتراف بشرعية إسرائيل بدون مقابل، ومن هنا تجرأ جورج ميتشل مبعوث أوباما بطرح دولة مؤقتة وبمسار تفاوضي مغاير للقدس منفصل عن الضفة وموائمة فكرة الدولة مع يهودية إسرائيل... هناك خلل في منطق الأشياء.
وعن المفاوضات قال الشرقاوي: إنه المفاوضات علم، وليس «حياة». علم المفاوضات أدق من علم "اللوغرتمات" ويستند إلى موازين قوى. وغضب الجماهير هو أقوى الموازين واجداها في هذا العصر. السيف اصدق من الكتاب. وبعد أن دعا الشرقاوي فتح لتنبني خيار النضال، طالب في الوقت ذاته القيادة الفلسطينية بتغير طاقم المفاوضات القديم فورا لأنه أثبت ضعفا واضحا على صعيد خبرته بالطرف الإسرائيلي.
وعن الوضع الراهن، قال: إسرائيل هي من ارتاح لنظرية لا حرب ولا سلم، والآن لا مقاومة ولا مفاوضات حقيقية. وأردف: إسرائيل ضربت مفاهيم عميقة داخل المجتمع الفلسطيني، غلبت الصراع الثانوي على الصراع الرئيسي، شأنها شأن أي احتلال في العالم من اجل تأثير الواقع على القرار السياسي. إن إسرائيل خططت بان يكون آخر نفق أوسلو جحيم للشعب الفلسطيني: أكبر عدد من السكان على اصغر بقعه ارض. إن الاحتلال الإسرائيلي خرج بعد أوسلو كأرخص احتلال في العالم احتلال (ديلوكس) خمس نجوم وأعفى من مهامه ومن دفع ثمن احتلاله للأرض.
بناء المؤسسات في ظل الاحتلال
وعن بناء المؤسسات الفلسطينية، قال الشرقاوي، إن بناء المؤسسات قبل زوال الاحتلال بشكل كامل وخاصة المؤسسات الأمنية هو مراوحة ما ما بين العجز والشلل وقلب لمنطق الأشياء وانتقال من الخطأ الى الخطيئة. إن إسرائيل لا تريد إدارة السكان في الضفة والتورط في السيطرة على حياتهم ومتطلباتهم اليومية، وتريد في نفس الوقت تنسيقا أمنيا لصالحها، وما الكلام عن مشاريع تنموية في مناطق "ب" و"ج" إلا إمعانا في الخطيئة وإعفاءا للاحتلال من مهامه.
وخلص الشرقاوي إلى أنه يتعين على حركة فتح أن تناقش الأمور بصراحة وبجرأة وعليها أخذ زمام المبادرة بسرعة - لأن الاستيطان المدعوم بعقيدة توراتية يلتهم الأرض ويعتبر سكانها الأصليين أغيارا،ـ فهل تبادر فتح أم تبقى تراوح في نفس المكان ولا يتبقى للفلسطينيين مكان تحت الشمس في المستقبل.
عن عرب48
30/01/2010
|