جورج غلوي.. أنت تعمّدت فلسطينيّا.. - رشاد أبوشاور
أخي جورج غلوي، أكتب لك وأخاطبك أخي، ولا معرفة مباشرة بيننا، فأنا أعرفك من بعيد، وأنت لا تعرفني، ولكنك ستعرف بعد قراءة هذه الكلمة أنني فلسطيني، وأن فلسطين تجمعنا وتقرّب بيننا.

أنت تعرف ( العمادة)، التي بدأت في نهر الأردن، عندما انحنى نبي الغضب يحي، يوحنا المعمدان، وغسل قدمي السيّد المسيح ( المُطارد) من الأشرار، والحامل من بعد لصليب الإنسانيّة، هو الذي ثار على ضيق الأفق، والعصبيّة، والانغلاق، ومضى إلى رحابة الأخوّة الإنسانيّة داعيا ومبشرا.

أتابعك منذ سنوات، وبكلمة مختصرة أقول لك: أحترمك، وليس صدفة يا أخي أنك أطلقت على الحزب الذي أسسته ( الاحترام)، فأنت تحترم نفسك، وتحترم التزامك بالإنسان، مطلق إنسان، ولذا اخترت أكثر الشعوب مظلوميّةً: شعب فلسطين، ومحضته صوتك، وانحزت لألمه ومعاناته، مع ما يكلّفه هذا الخيار، ولم ترتجف أمام حملات من صلبوا السيّد المسيح، ومن يطاردون السائرين على دربه، درب الآلام، حاملين صليب الإنسانيّة جمعاء.

الشعب الفلسطيني يا أخي شعب يحترم نفسه، شديد الاعتداد بكرامته، وإلاّ هل كان يصمد لكّل النكبات، ولحلف الشّر والإجرام على مدى عشرات السنين من التآمر والوحشيّة، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، وحتى زمن لا نعرف متى ينتهي ليله الثقيل.

ها أنت قد عرفت أن العرب ليسوا ثلاثمائة مليون يهددون ( الكيان الصهيوني)، فبعض حكّامهم أشّد قسوةً ولؤما، وهؤلاء الحكّام ( يحيّدون) ملايين العرب ويخرجونهم من المعركة خدمةً ولاءً للأعداء المتجبرين وفي مقدمتهم أمريكا راعية الكيان الصهيوني.

لا، لسنا جميعا في ( أخوّة) في العروبة، وأنت بتنقّلك عبر الحدود العربيّة، ومعاناتك ومن معك من المتطوعين الشرفاء، أخوتنا في الإنسانيّة، تكبدتم مشقّة السفر برّا، ووجهتم بالحدود العربيّة تُغلق في وجوهكم.. ومن ( أكبر) دولة عربيّة: مصر..عفوا، من نظام مبارك وريث السادات، بفظاظة وعدوانية سافلة لم يتوقعها زملاؤك الأوربيّون، وإن توقعتها أنت بخبرتك السابقة، ولما تعرفه عن نظم حكم لا تمثل شعوبنا العربيّة المُستعبدة..فهل هذه هي الأخوّة العربيّة؟!

أنت معجب بقائدنا جمال عبد الناصر، وتتذكّر أمجاده، وتعرف أن مصر أيامه غيرها في أيّام التابعين لأمريكا، مُذلي مصر، ومجوعيها، وناهبي خيراتها، ومقزمي دورها.

شاهدتك وهم يقتادونك في مطار العريش، فبدوت فلسطينيّا نموذجيّا ( مُرحلاً) كأي فلسطيني يقبضون عليه في (رفح)، أو في مطار القاهرة، ويزجونه في (البوكس)، سيارة شحن المُرحلين الذين يعاملون كالمجرمين، وبتهمة واحدة: فلسطيني.

لا، لسنا أخوة نحن وجلاوزة نظام كامب ديفد، نحن أخوة لشعب مصر المغلوب على أمره يا أخانا جورج غلوي (أبو ثائر).

الفلسطينيّة لم تعد هويّة إقليميّة، إنها (خيار) وانتماء وتضحية، وأنت اخترت، وتجشمت عناء السفر، وضحيت بوقتك وجهدك وراحة بالك، وتعرّضت للإهانة من ( مخلوقات) نظام مبارك المحقونين بالكراهية والحقد على فلسطين والفلسطيني أيّا كان هذا الفلسطيني، وأخطر الفلسطينيين عندهم هو مثلك الذي يتنازل عن ( أبهة) عضوية البرلمان البريطاني، وينزل إلى ميدان العمل، فيحمل على ظهره الحليب لأطفال الفلسطينيين في غزّة الصابرة، ويمّد شريان الحياة إلى أفواههم باسم فلسطين التي باتت تجمعنا كبشر نؤمن بأن الإنسان كائن محترم، وأننا جميعا نرفض امتهان قوى الشّر لكرامته.

تابعت من قبل اعتقالك في مطار القاهرة، وسحبك عنوة ليزّج بك مع المهربين، والمجرمين، حتى ترتدع فلا تعود مرّة أخرى إلى مصر، وتيئس من مناصرة فلسطين والفلسطينيين، وكل العرب المظلومين، وعقابا لك على مناصرتك للعراق وشعبه، وللبنان ومقاومته.

بلحيتك المشعثة، وشعر رأسك المتطاير وغير الممشّط، وبالإرهاق في ملامح وجهك، وبملابسك المترهلة على جسدك المتعب، بدوت فلسطينيّا حقيقيا، حتى إنني شخصيّا منحتك لقب( أبوثائر) غلوي، إذ رأيت فيك فلسطينيّا يعيش في أحد مخيماتنا، ملاحق، مطارد، ومعتّد بكرامته.

ليس كل فلسطيني ولد لأبوين فلسطينيين فلسطينيّا، فالفلسطينيّة وعي واختيار وانتماء وتضحية و( عمادة) في (التجربة)، وها أنت قد دخلت (التجربة)، ولم تنج من الشرير، ولكنك وكما انتصر السيّد المسيح على (الشيطان) في جبل ( التجربة) المطّل على أريحا الكنعانيّة الخالدة، انتصرت على أشرار مطار العريش، ومطار القاهرة، وشريرهم الأكبر، وأعلنت أنك عائد بحرا.. والعناد من صفات الفلسطيني الحسنى يا أخانا!

أنت تعرف أيها الأخ ( أبوثائر) غلوي أن القوائم السوداء في مطار القاهرة، وحدود مصر البريّة والبحريّة، تترصّد الفلسطينيين، ولا تكتفي سلطات كامب بإرجاعهم من حيث جاءوا، ولكنها تزّج بهم في سجون لا يمكن وصف بشاعتها، وأشكال التعذيب فيها.

هل تتصوّر أيها الأخ العزيز أن تلك السلطات تجرّد الفلسطيني من ملابسه، ثمّ تدلق السبرتو على شعر عانته.. وتشعل النار بحيث يحترق جلده مع شعر العانة!.. أترى أخوّة نظام مبارك للفلسطيني، وتضحيته لفلسطين؟!

أنت لم تيأس، ولم تندم لأن عربا متأمريكن متصهينين تطاولوا عليك، وأهانوا من معك، وأسالوا دماءهم تماما كما تفعل سلطات الاحتلال بالفلسطينيين الذين يتصدون للجدار في ( بلعين) و( نعلين)!

الفلسطينيّة مُكلفة، ولذا يهرب منها حكّام العرب، وينحاز بعضهم لأعدائها وأعداء بلدان يحكمونها، وفي مقدّمة هؤلاء نظام كامب ديفد، نظام الجدار والحصار وزرع الكراهية.

في حواره معك خاطبك أحمد منصور على فضائية الجزيرة: بيتي مفتوح لك، وبيوت ملايين المصريين ترحب بك...

وأنا أضيف يا أخانا العزيز المحترم: بيوت ملايين العرب تُرحّبك بك، فأنت منهم، وبيوتهم الفقيرة البسيطة في المخيمات، والقرى، والأحياء الفقيرة في مدن الأحياء المترفة، ترحّب بك، وتعتّز بك.. وأنت تعرف هذا، وتعرف أن هذا هو ما يغيظ نظام حكم لا يستقبل سوى القتلة الصهاينة، ولا يُرحّب به أي بيت عربي محترم من أمة الملايين الثلاثمائة، سوى بيوت أمثاله الذين يناصبون فلسطين ومحبيها العداء...

22/01/2010




® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600