بعد 41 عاما على استشهاده: جيفارا يبعث من جديد
صادف يوم الثامن من تشرين الأول مرور إحدى وأربعين عاما على استشهاد القائد الأممي آرنستو تشي جيفارا الذي استشهد عن عمر ناهز الخامسة والثلاثين على حدود بوليفيا عام 1967، بينما كان مع مجموعة من الثوريين يغطي انسحاب مجموعة أخرى بعد أن خاضوا معركة طويلة استمرت عدة ساعات مع جيش بوليفيا المدعوم من جهاز المخابرات الأمريكية C.I.A، حيث أصيب في تلك المعركة وتم اعتقاله حينها. وقبل إعدامه بلغ احد الضباط الذي حاول استجوابه بوصيّتين احدهما لفيديل كاستروا رفيق دربه وصانع الانتصار المشترك للثورة الكوبية معه، يقول في وصيته: "فشلنا هنا لا يعني نهاية الثورة التي ستعود وسننتصر حتما في مكان ما في أميركا اللاتينية".
والآن نقول إنّ العديد من الأماكن والبلدان تنتصر فيها تعاليم حول الثورة والديمقراطية والاشتراكية، فها هم رفاق وأحفاد لوران كابيلا الذي شارك في حرب العصابات في أدغال الكونغو بالقارة الأفريقية يخوضون معارك الدمقراطية الثورية وتطبيقاتها الاشتراكية بعد أكثر من 41 عاما أما أمريكا اللاتينية فإنها شعلة حمراء تتأجج بوهج تعاليمك الخلاقة وإبداعك الحاضر مع كل الأزمنة وفي كل الأماكن، تعلو وتنتشر يوما بعد يوم تحملها الأجيال جيلا بعد جيل، فقد أصبحت تعليماتك تعاويذ لكل المقهورين من التمييز العرقي والطبقي في شمال بوليفيا والسلفادور وغواتيمالا فيما تعود نيكاراغوا لتمسك بالمقود الجيفاري من جديد، فيما تتألق فنزويلا نموذجا اشتراكيا شابا بأفكاره وتطبيقاته الاشتراكية وينتقل شافيز وموراليس بين براكيات وبيوت الصفائح المعدنية وأكواخ "الهنود الحمر" ليوزعوا عليهم أرباح العائدات النفطية بعد انتزاعها من أصحاب الكروش المتخمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما كوبا القلعة الاشتراكية وقاعدة الارتكاز الثورية الأولى في العالم التي شيدتها ورفيق دربك كاسترو وأولى انجازاتك الثورية فلا خوف عليها فهي ليست نموذجا لكل الثوريين فحسب بل بوصلة ومنارة ثورية لا تنطفئ.
لقد كنت الوزير الوحيد والأول الذي فضل ميادين الكفاح الشاقة في جبال السيرامايسترا في كوبا وأدغال الكونغو في أفريقيا والوديان السحيقة في بوليفيا على مكتب الوزير المريح في هافانا.
كما كان لمنطقتنا العربية نصيب وافر من الاهتمام من قبل جيفارا حيث قام بزيارة كل من الجزائر بعد انتصار ثورتها على المستعمر الفرنسي خلالها التقى الزعيم الجزائري احمد بن بلة وقدم للأخير مشورات في الاقتصاد الاشتراكي كما قام بزيارة إلى مصر التقى خلالها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي بدوره قلده وسام الثورة.
أية صورة تمتلك وأي صورة ورّثتنا.. إنها قوة الحاضر وإشراقة المستقبل. إن من يتعمق في صورتك لابد إن يؤمن بك معلما ملهما ثوريا.
الآن وبعد 41 عاما على استشهاده لا زالت صورة القائد الأممي ارنستو تشي جيفارا تطبع على عشرات الملايين من القمصان والبوسترات والقبعات والرايات والمطويات، وغيرها الكثير أينما تمكن وضعها على صفحات المنتديات والمواقع الالكترونية وواجهات الطرق والفضائيات الجذابة الديمقراطية منها أو التقدمية حتى الفضائيات المعولمة برامجيا لم تستطع تجاهل هذا الصورة الملهمة الأكثر صرامة المعبرة عن النسوك الثوري والكبرياء المفعم بالحيوية والنشاط المستديم.
بعد 41 أصبحت كلمة جيفارا أو صورته بطاقة شخصية وسيرة ذاتية لحاملها ومتداولها وأصبحت شعارا حاضرا لكل المناسبات والاماكن والمواقع الكفاحية، وأصبحت رزمة أهداف وجامعًا لكل اليساريين التقدميين والديمقراطيين في مواجهة الرأسمالية المتوحشة وأدواتها العسكرتارية. إنها صورة برنامج أممي متكامل.
لم يكن سوفييتيا في حقبة السوفييت ولم يكون ماويا بل كان نموذجا فريدا متميزا استقطب كل الثوريين وحاز على ثقة كل من السوفييت والماويين. انه في مرتبة القديس كما شبهته الممرضة التي استلمت جثته بعد إعدامه وأشرفت على تنظيف جسده. وكانت كلماته الأخيرة للجندي الذي قتله: "اهدأ وسدد جيدا انك على وشك أن تقتل رجلا" ويبدوا انه استذكر بعض التعليمات لأحد رفاقه خلال معاركهم التحررية.
أما الصخرة التي استلقى عليها بعد إن أصيب بجراح في معركته الأخيرة، تتوهج اليوم عليها عبارة محفورة تقول "تشي حي" وبهذا المناسبة نقول إن الأفكار والتعاليم الجيفارية حية وتنبعث من جديد مع كل عام يمر على استشهاده يكون بمثابة وقفة تقييم وانطلاقة جديدة لكل الثوريين والتقدميين في العالم.
تأتي الذكرى والامبريالية الأمريكية والرأسمالية العالمية ومن دار في فلكهم تمر باسوأ مراحلها حيث الأزمة المالية تضرب عقر بيت النظام الرأسمالي وتهدد بانهيار كامل للاقتصاد الأميركي وترتفع الأصوات مجددا داعية إلى ضرورة تغيير نمط الاقتصاد الرأسمالي كالنعامة تدفن رأسها بالرمال لتتوارى عن الحقيقة والحقيقة هي كما قال ماركس: "الرأسمالية حفارة قبرها بنفسها" وليس غريبا أن ترى الاقتصاد الكوبي معافى من هذه الأزمة إلى جانب كل الاقتصاديات الاشتراكية والتقدمية حيث لا مكان لرأس المال الإحتكاري ولا مكان للشركات متعددة الجنسيات بالمقابل تتعزز الرؤية التحررية الاشتراكية وتتراجع نظريات العولمة والليبرالية الحديثة لتذهب وشرورها ودعاتها إلى الجحيم.
في الخاتمة لابد لنا أن نستذكر ما قاله الزعيم فيدل كاسترو "إن الطبيب الذي ولد في الأرجنتين (المقصود جيفارا) زرع بذور الضمير الاجتماعي في أمريكا اللاتينية والعالم. إنني اجري وقفة في معركتي اليومية لأنحني باحترام وإجلال لمناضل فوق العادة".
13/10/2008
|
|