صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

مالك ايوب



لم يكن اسحاق نيوتن البريطاني المولود سنة 1643 حين اعلن عن اكتشافه للجاذبية التي تسحب الاشياء من اعلى لتقع على الارض كما هو الحال في قصة تفاحته المشهورة، يعلم ان هناك نوع آخر من الجاذبية لا تسحب الاشياء من اعلى الى اسفل فقط بل ومن اسفل الى اعلى ومن اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين وقد تُدَوِر الاشياء حول بعضها حتى يصبح الجاذب والمجذوب في مكان وزمان اخر ..... تلك هي الجاذبية الكيميائية.

ولكن ماهي هذه الجاذبية التي يبدو ان احدا الى اليوم لم يجري بحثا عنها او يعلن عن نظرية بخصوصها لقد توصلتُ الى هذا التعبير بعد تحليلي لمجموعة من العناصر المختلفة جعلتني اتبين ان هذه الجاذبية موجودة ومعروفة لدى الكثير منا وإن كان احد منا لم يجرؤ على ان يطلق عليها وصف "الكيميائية" . ارجو ان لا يخدعك الخيال لتراني واقفا بمريولي الابيض في ذلك المعمل الطويل المليئ بالانابيب والمحاليل وفقاعات الغاز الاصفر والابيض تنبعث من هنا وهناك ... لا ليس هذا هو المشهد الذي اريدك ان تتصوره ولكن يبدو ان قدرتك على التصور والابداع لا بأس بها ..... أرجو ان تبقى محتفظا بنشاط مخيلتك لانك قد تحتاجه فيما بعد ...

و لكي اقصر عليك وعلى خيالك طريق التفكير، اقول ان الجاذبية الكيميائية هي وبكلمة بسيطة ( المحبــــــــــــة ). وإن كان نيوتن قد قال: إن باطن الارض ومكان نواتها وصهيرها هو مركز ومقر تلك الجاذبية فإن مركز ومقر الجاذبية الكيميائية اي المحبة هو القلب.

لم اكن أعلم في الاشهر الاولى حين درست اللغة الالمانية معنى ذلك التعبير المشهور في سويسرا والمانيا الذي يقول "لم تناسبني كيميائية فلان". غير اني أدركت فيما بعد ان المقصود من ذلك هو ان فلانا لا يعجبني او لا احبه او كما نحن السحمانيون والفلسطينيون وكثير من عرب المشرق بشكل عام نقول "لم استهضمه".

عندما يُعجب شخص بشخص ما من اول نظرة يقال هنا في سويسرا "لقد تناسبت الكيمياء" وكأن هناك عملية معايرة كيميائية بدأت من النظرة الاولى حتى تصل الى لحظة معينة في اللقاء الاول تقع فيها نقطة من المحلول الاول في المحلول الثاني ليتغير لون السائل بالكامل ولتكون تلك النقطة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ولونت المحلول بلون واحد.

نعم كذلك تنمو وتتم محبة النظرة الاولى في القلوب. فإما ان يكون هناك تجاذب (تناسب في الكيمياء) او تنافر (لا تناسب).

ولكن لماذا يستخدم السحمانيون كلمة إستَهْضَمَ، يسْتَهضِمَ ... فهو مَهضُوم؟

من المعروف ان عملية الهضم هي تحويل المادة المتماسكة الى مادة مفككة متحللة قابلة للامتصاص. فالاكل مثلا يحتاج في المعدة الى عدة ساعات من الهضم بواسطة حامض الهيدروكلويك وبعد خروجه من المعدة الى الامعاء الرفيعة يتم امتصاص المادة الممتازة الغنية مباشرة من قبل الدم. فبدون الهضم لا يمكن ان يتم الامتصاص.

فمعنى ان اقول ان فلانا مهضوم، هو ان هذا الشخص يدخل الى الدم مباشرة دون تمهيد ودون الحاجة الى عملية هضم مسبقة. واذا دخل شخص في دم شخص اخر فأين يذهب ؟

.... إن مقر الدم او قصر الدم ان صح التعبير هو القلب ..... فمعنى ان اقول ان فلانا مهضوم اي انه يدخل الى القلب مباشرة بمعنى ان عملية الجذب الكيميائية قد تمت دون تمهيد مسبق.

أما قول بعضهم "لم استهضم فلان" ومن المعروف في اللغة العربية ان كل الافعال التي تبدا بالحروف "ا س ت" اي على وزن استفعل تدل على طلب الفعل، فيدل حتى على انه لم يشأ ان يضعه في معدته لتبدا عملية هضمه .. فما بالك بعمليه الامتصاص اي ان التنافر الكيميائي هنا قد وصل الى ابعد حدوده.

هناك خاصية غريبة في الجاذبية الكيميائية. فالجاذبية الارضية على كرتنا هذه في حالة كينونة دائمة. اما الجاذبية الكيميائية فقد تكون ثم لا تلبث ان لاتكون اي تتبدد. وقد يتحول هذا التبدد الى تنافر. فإذا ما حدث ذلك كان اصعب من التنافرات التي تحصل من النظرة الاولى ... الم تسمع الشاعر يقول:

" إن القلوب اذا تنافر ودها .............. مثل الزجاجة كسرها لا يجبر

وهنا قد استخدم الشاعر لفظ التنافر وهو ما يطلق في الفيزياء عادة على عكس التجاذب ولم يستخدم كلمة تباين او تبدد

و اخيرا الم نسمع بقول " امراة جذابة " اي تسحر الرجال بجمالها او بمعنى اخر "انها تمتلك مغناطيس كيميائي".



هل مازالت مخيلتك نشيطة؟

إذن تصور معي ذلك القلب الذي مازال الى اليوم يقع في الجانب الايسر من الصدر بقاعتده المتجهه الى اعلى وراسه المائل الى الاسفل، هو مثلث مقلوب الشكل مشحون بقوى الجذب والتنافر تعصف به قوى الطاقة المتعدة، إنه مثلث برمودة بعينه تهب عليه رياح عاصفه من جيمع الجهات وتعلو فيه الامواج طبقات فوق طبقات في ظلام دامس وانت تجلس في مركب صغير تجذف في ذلك الظلام، لا تدري الى اين تتجه ولا تعرف اي موجه قادمة تجعلك تغوص الى قاع المحيط.

إن الجاذبية الارضية لا يمكن تغيير قوتها الا اذا خرج الانسان من كوكبه وسبح في هذا الكون الفسيح. فقد تقل تلك الجاذبية على سطح القمر لدرجة تجعلك تطير في الفراغ وقد تزيد الى 400 ضعف لدرجة لا تستطيع ان تحرك فيها جزءا من كيانك كما هو الحال على كوكب المشتري. غير ان الجاذبية الكيميائية ورغم ما ذكرته عنها بأن لها خاصية الجذب من جميع الجهات حتى أنها قد تُدَوِر الجاذب والمجذوب وتضعهما في زمان ومكان مختلف، فإن هذه القدرة قابلة للتخفيض والتلطيف الى درجة التعادل حيث تتحول فيها عملية الجذب والتنافر الى هدوء وسكون وطمأنية

ولكن ... ما هي تلك الكلمة السحرية التي تحول قصر الجاذبية "القلب" الى مقر هادئ و جنة طمأنينة؟. ما هو العامل الذي يحول عواصف المحيطات وامواجها العاتية الى مويجات بحيرة اللؤلؤ ونعومة النسمات على ورد الياسمين؟

إنه ذِكْرُ الله

إن تشبع القلب بذكر الله وأمتلائه بمحبته وطمأنينته تجعل لا مجال لاية عمليات امتصاص جانبية. حتى لوتمت عمليات هضم معينة فلا تؤدي الى امتصاص فعلي، لان النقطة التي غيرت لون المحلول صبغته باللون النهائي ومهما سقطت من نقاط اخرى فسوف لن يكون لها اثر لوني اضافي. فالجاذبية الكيميائية هي جاذبية الفطرة. وكل الجاذبيات الاخرى هي دخيلة متتطفلة، تنزع قلب الانسان الى كل الاتجاهات. فإذا ما وقع الانسان في مصيبة ما ووجد نفسه فجأة على مركب مثلث برمودة تلاشت كل الجاذبيات الاخرى من قلبه ولم يبق الا جاذبية الفطرة، فتراه يصرخ بفعل جاذبيته الكيميائية "يا الله" فمنهم من يجذبهم الله الى بر الامان ومنهم من يجذبهم الى رحمته.

ان انعدام الجاذبية الكيميائية هي اسوأ خصائص هذه الجاذبية وادنى درجاتها. فمن فقد هذه الخاصية فقد حرم من الخير الكثير ومثل اؤلائك كمثل الذين اقفل صمام المواد الممتصة في قلوبهم فصارت خالية يملاؤها الفراغ وكأن قلوبهم صارت مختومة لا يصلها من الله محبة.

لون قلبك بالمحبة، واملأه بذكر الله، تكن مهضوما وجذابا

"الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب"

زيورخ - سحماتا 19.09.2009



العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600