|
|
مالك ايوب
السحلية الزمردية
كانت السيارة تقودنا نحو الشمال. فبعد اسبوع قضيناه في مدينة برساغو على البحيرة الكبرى الواقعة بين الحدود السويسرية والايطالية ذات المناخ المعتدل نسبيا مقارنة بشمال اوروبا لانها تقع خلف سلسلة جبال الالب التي تصد المنخفضات الجوية الباردة عن تلك المنطقة، حان موعد الرجوع. وقد قررنا في طريق العودة الى زيورخ تجنب المرور في نفق غوتهارد الذي يمتد داخل جبال الالب لمسافة 17 كليومترا ليكون بذلك اطول نفق في اوروبا على الاطلاق، بل قررنا عبور سلسلة جبال سانت برناردينو، ذلك لان الجو اليوم جميل ودرجات الحرارة مرتفعة مقارنة بالايام والاسابيع الماضية وقد ذابت الثلوج المتراكمة هنا وهناك وتبعثر الضباب وصارت الرؤية واضحة كعين الشمس.
انطلقت السيارة مسرعة تعبر السهول والتلال وبدات بتسلق الجبل تلو الاخر حتى لاح لنا عن بعد وعلى قمة احداها بقايا برج قديم وكنيسة عتيقة ازالت الرياح الثلجية العاتية معالم الصور الايقونية عن ثلاثة من جدرانها الخارجية. اما على جدارها الرابع فقد استطعت قراءة كتابات بخط اليد تحمل تاريخ 1607 مما يدل على ان تاريخ هذه الايقونة اقدم من ذلك بزمن.
كانت الكنيسة من الداخل روعة في الجمال مما يوحى ان لهذه المرتفعات زمن عز قد مضى. فقد كان هذا البرج وهذه الكنيسة يقعان على طريق تجارة رائجة بين شمال ايطاليا وجنوب سويسرا وكان المصلون يرتادون هذه الكنسية التي يبدو ان الصلوات قد كانت تقام فيها بشكل منتظم. اما البرج القريب منها فقد انهارت بمرور الزمن بعض جدرانه وسقوف كل غرفه. اما موقعه العالي على قمة الجبل والذي يشرف على كل الطرق المحيطة به فيدل على قوة ومهابة. وقد قرانا في الكتابات الداخلية للبرج انه كان يدار من قبل حاكم يعين من الملك المسيطر على مدينة نابلي في ايطاليا في ذلك الزمان.
كان مدخل هذا البرج عبارة عن جسر خشبي تتحكم به عجلة دوارة. فإذا ما اديرت تلك العجلة رفع الجسر ليقفل باب البرج ويصبح بين البرج والبر منحدر عميق يصعب على المهاجمين اقتحامه. اما زوايا البرج فكانت غنية بفتحات المتاريس التي تطل على كل الطرق المؤدية للبرج.
تجولنا داخل البرج مدة من الوقت .. وعند الباب الرئيسي للمدخل وعلى مرجة من العشب الاخضر جلست سحلية خضراء جميلة عرفنا فيما بعد وعن طريق معجم الزواحف الموجودة في سويسرا انها تسمى بالسحلية الزمردية نظرا للونها الاخضر المزرق والذي يشبه لون حجر الزمرد الكريم.
بدات السحلية ترمقني بنظرات ثابتة دون ادنى خوف او انفعال. لقد استغربت انها لم تسرع بالهروب كبقية الزواحف حين ترى شيئا ما يتحرك.
قلت في نفسي .. يا الهي ما اجمل هذه السحلية ... ولكن ما بالها لا تهرب او تبتعد .. هل هي لا تستطيع الحراك .. غير انها قد حركت قبل قليل يدا ورجل دون ان تبتعد .. ام هي لم تر في حياتها بشر على هذه القمة العالية فهي لا تعرف الخوف منهم .... ام هي يا ترى صاحبة هذا البرج العتيق وهي تشير الينا بيدها لنخرج ونغادر ارضها
.... فهذا قصري وبرجي .. هذا بيتي .. حتى لو ان جميع حيطانه واسواره تهدمت فإني باقية هنا اسكنه واحرسه ولن يثنيني برد ولا ريح ولاحتى طير او بشر عن النزوح من هنا ... سأبقى الى ان يعود للبرج مجده والى ان يتردد صدى اجراس الكنيسة في الاودية المجاورة من جديد.
زيورخ - سحماتا 18.07.2009
|
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|