صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English


مصــر منــوّرة بأهلــها - سحر مندور
إلى ابن النيل الذي لم يراوده يوما شك بناسها.. محمد خير

في حب مصر، يقال الكثير، ودائماً.

في تعبها، وفي فقرها، وفي إحباطها، تُعشق، ولا يُتخلَّى عنها، ولا يُيأس منها.

في عصبيتها، وفي شوفينيّتها، وفي رفضها للنقد، تُحترم، وتُسمع أسبابها، فلديها منها الكثير.

لديها من أسباب الحب والاحترام الكثير.

فهي لم تهدأ ولم تكنّ، على مر السنوات الطويلة الصعبة الأخيرة.

بدماء الصحافيين المسحولين على الأرض، صدرت الصحف المعارضة. لم تصدر كـ«تنفيسة» أقدم عليها النظام، ولا صدرت هكذا، بالنكتة.

وبدماء المساجين والمضروبين والمضطهدين والمعذّبين في الزنازين، سارت التظاهرات، على مرّ السنوات، رافعة شعارات لا تصدح عادةً في العالم العربي، لا من محيطه ولا من خليجه، ترفض توريث الحكم، وتقول للحاكم حكمك باطل.

وبكل جنيه حُرم منه مستحقّه، وبكل جنيه تبرّع به فقير ليفتتح في بلده مركزاً طبياً أنشئ بالاكتتاب، وبكل جنيه دفعه شاب لينشر كتاباً أولاً ثم ثانياً فثالثاً، حتى تسجّل لمصر ثورةٌ في مجال النشر، ويصبح للمحروسة قوت جديد من الأدباء والشعراء.. بكل جنيه مصري، بكل قرش صاغ، عاش الشعب زمناً صعباً، ولم يغفل خلاله بل أنتج، وغفل الناس عنه، ظنوه خدراً ساهياً قاصراً، لم يروا انجازاته اليومية الصغيرة التي تراكم وتتراكم، فعالجهم بالرفض حين انتقدوه.

رفض المصري النقد خلال السنوات الطويلة الماضية، وتعصّب لبلده ضد كل ناقدٍ، لأنه كان ينتزع يومياً ومع كل شهيق وزفير، وبأظافر اليدين، وبالأسنان، لحظةً تبقيه حياً، وتمهّد الطريق للغد.

أجمل ما فيك يا مصر هم ناسك.

هم الصعب والتعب والعيش ضمن حدودهما الضيقة التي لا تزداد إلا ضيقاً.

أجمل ما فيك يا مصر، هم ناسك، الذين كلما أوقفت الكاميرات الباحثة عن تصريح واحداً منهم، أتى على لسانه الوضوح. ولم يأت على لسان أي منهم ما يعزل المتفرّج عن الصورة! قال المتظاهرون بحقوقهم بالحياة الكريمة، وبضرورة محاكمة الطاغية، وبحماية الممتلكات العامة، ولم يقل المتظاهرون بحرق مصر، ولا بحق الدين، ولا بجاهل التصريح. قال المتظاهرون: نحن نعرف، ونحن الحلم.

فأين البديهية في خبرٍ عاجل يفيد بأن شباب مصر يشكلون دروعاً بشرية لحماية المتحف المصري؟ أين البديهية في ثورة تهرع لحماية آثارها، وفنّها، تقدّره، تحميه بالروح، تصون القصة بأكملها، ولا تستبيح عصراً لصالح عصر؟

أين البديهية في وحدة شعب الثمانين مليون مصري، على حماية بيوتهم وشوارعهم وتنظيفها وتنظيم مرورها بما يحفظ لها حياتها المدنية، ودولتها؟ أين البديهية في وحدة شعب الثمانين مليون مصري، على هتاف واحد يشقّ سماءنا العربية، وبقبضة واحدة، نتمسك جميعنا بها كلما رفعها أسمرٌ وسمراء، لترفعنا معها، تحررنا معها، تعيدنا إلى الحب، والمواطنة، تعيدنا إلى كلمة الحق الخالية من وجهات النظر.

شباب مصر، أنتم أبطال. وتلك ليست وجهة نظر.

تحيا مصر بكم، ولأجلكم.. ومن بعدكم، تحيا لنا، «عزيزةً في الأمم».

تحيا مصر التي تصنع لنا غداً أجمل.

أنتم تصنعون لكل مواطنٍ يعيش يومه في الظلم، غداً أجمل. أنتم تسقطون من آذاننا كل تلك النظريات الثقافوية الداعية إلى شطب الثورات من قواميس العصر، والاستكانة إلى «تكتيكات» الممكن، التي تشبه في عبثها حكماً بالقهر دام ثلاثين عاما!

أنتم تعيدوننا إلى الأمل، وإلى القبضة المرفوعة ضد الظلم أينما حلّ، وضد الطوائف التي تبتز ولا تؤسس، وضد الشركات التجارية التي تحمي الطاغية من مستهلكي منتجاتها.

أنتم تعيدوننا إلى اللغة الجميلة، اللغة التي تدمع لها الأعين تأثراً وتماهياً، تعيدوننا إلى معنى الفداء، ومعنى التضحية، ومعنى الحياة.

أنتم تعيدوننا إلى الثورة، بلا أجندة سياسية، ولا أحلاف استراتيجية، ولا كلمات ثقافوية فارغة تدّعي المعرفة بالعصر، لتفرض الخضوع للنظام العالمي الحاكم مدخلاً إلى العصر.

بفضلكم، لن نعود إلى البيت مشغولين بحدود الممكن.

بفضلكم، نسير على الأرض بأقدام تنصهر بترابها، وتحلق في آن فوق الإسفلت، أعناقنا تشدّ إلى أعلى، أحلامنا تشدّ إلى أبعد، وعيوننا تطلب المستحيل.

أنتم تعيدون إلى الناس الثقة. أنتم تعيدون إلى الناس حقهم بالوجود.

لقد سقط زين العابدين بن علي. لقد سقط حسني مبارك. لقد سقط 22 طاغية وأكثر. وسقط معهم جميعاً خطاب النهايات.

أنتم بدايتنا. أنتم نبضنا. أنتم عصرنا الحديث. وأنتم الأهل، والأصدقاء، والأحباء.

تحيا مصر، يحيا الشعب، تحيا الثورة.

تلك كلمات كانت لتبدو سخيفة، وتعتبر خشبية، قبل أيام قليلة.

شكراً لكم، فقد أعدتم إلينا جمال اللغة، وحب الكلام.


عن شباب السفير
2/2/2011







® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600