صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

مالك ايوب


المتَسَلقة - (وردة المُدّيد) - بقلم: مالك ايوب - 2/10/2007

جلس ابو الفضل الشيخ الوقور، امام كوخه الخشبي العتيق، يرقب من خلف نظارته السميكة المغبرّة، حفيده الصغير أحمد، يركض بين الأشجار في حقله الواسع المحاذي للبحيرة، يتلمس الازهار، يطارد فراشة حينا وتطارده نحلة حينا آخر. ينظر اليه يُمسك حجرا بيده، يقذفه الى البحيرة، يراه ينظر بدهشة الى الدوائر المتكونة من سقوط الحجر في الماء، يتبعه بحجر آخر ثم ينظر باستغراب الى الدوائر يتداخل بعضها ببعض، يقطع زهرة من هنا ويقطف تفاحة من هناك...
ثم ها هو يراهُ مسرعا نحوه، يحمل وردة رقيقة زرقاء بنفسجية اللون بوقية الشكل
"جدي.. جدي، أليست هذه الوردة جميلة"؟
تبسّم الجدّ واحتضن حفيده... وريثه الوحيد الذي حرص على تربيته ورعايته واسداء النصح له..
"إجلس يا جدي.. نعم إنها فعلا جميلة.. لكن يا بني لا يغرنّك رقة ملمسها وجمال منظرها، ان الشكل والمظهر قد يخفي حقيقة الجوهر".

أما ان سألتني أي الورود اَحبُ إليّ..
فإني اقول لك، ان اجملها عندي.. زهرة عبادِ الشمس
اُنظر اليها يا ولدي.. ان ساقها قوي مستقيم وثابت في الارض، تغطيه إبر صغيرة تدافع بها عن نفسها من الحشرات الضارة والأيدي العابثة.
اُنظر الى الزهرة القوية واسعة الدار، تلاحق الشمس منذ بزوغ الفجر وحتى الغروب، تُحب الدفء والنور، تسُرُ الناظر اليها اثناء حياتها، حتى اذا ما جاء وقت فنائها، تركَت بذورًا يحبها الناس، فشاركتهم فرح امسياتهم ورافقتهم ليالي سمرهم، فإذا ما عُصرت هذه البذور، سالَ زيت لذيذ استحبه الناس في مأكلهم
إن وردتك يا بني، نبتت على مُديْدَة ساقها ضعيف أعوج، إذا تُركت لتنمو منفردة، التفّت حول نفسها وتقوقعت ولم تقوَ ابدا على الوقوف. فإذا ما تُركت بين الازهار، انتقت منها نبتة او شجرة صغيرة، حتى إذا ما اقتربت منها، توسلت الصعود عليها ثم التفت حولها، ثم صعدت والتفّت وغطت بأوراقها الخضراء العريضة مضيفتها فحجبت عنها النور والضوء وتركتها في ظلمة حالكة، فإن استقرت على هذا الحال، اخرجت ازهارها للناس فأغرتهم وأعجبتهم، فنسوا ما فعلته بتلك الشجيرة المسكينة، فاذا ماتت مضيفتها هوَت هي نفسها وانهارت كومة واحدة فيكون مثلها كمَثل من حفر حفرة لأخيه فوقع فيها
نعم.. تلك هي وردتك يا بني
ومثل الناس يا ولدي كمَثل الأزهار
يقولون ان الناس معادن
وأنا اقول لك، ان الناس ورود
منهم من يعجبك ريحه ومنهم من يفتنك منظره
منهم من له كلاهما، ومنهم من ليس له هذا ولا ذاك.. ولكن أشواك
فلا يكون استئناسُك بهم الا استوحادا ولا قربك منهم إلا مضرّة وخسارة
ان اسوأ الناس يا ولدي، الورود المتسلقة، الذين يخدعون الآخرين بما يُظهرونه من نعومة وطراوة وحسن مظهر. اولئك لا يستقيم حالهم الا اذا ابعدتهم عن بقية الورود ونصبْت الأسلاك لهم لتحديد اتجاه مسارهم. فإذا فعلت هذا، أمِنت شرهم وصار وجودهم نافعا ومنظرهم مرضيا
إن عبير المرء كلامه، وإن كل وردة بما فيها تنضح
فكُن يا ولدي وردة يفوح عبيرها على مَن حولها
وكُن مِن الازهار التي تصعد الى العلا وتتوق الى النور

يا بُنيّ.. لقد قارعت السنين وعبَرتُ حقول تجارب الأيام
فالحياة يا جدي، هي أنت في هذا السهل الواسع
فيها جري وعدو، وقوع وقيام، ورود وأشواك، عبّاد شمس ومتسلقات
وإن ما تأكله من ثمرها وما تشمه من عبيرها، هو ذلك الذي تزرعه في حقلك بيديك
وان الاحداث التي تعيشها، هي تلك الدوائر المتداخلة التي انت انشأتها من رميتك
فلا تكن من المتخاذلين الذين لا يقوون على رمي حجارتهم في الماء، ولا تُكثر من الدوائر فيصعب عليك عدّها ورؤية تداخلها
إزرع سهلك بالورود التي يفوح عبيرها والأشجار التي يطيب ثمرها
وابتعد عن الأشواك والمتسلقات، فإنهن إن لم يضرنّك، يحجبن عنك النور ويبعدن عنك الضياء، فتجلس في ظلام وبرود
وإختر حجَرَك قبل ان تفكر برميتك وحدد مكان الرمية قبل ان تفكر بدوائرك
فكم من حجارة تُرمى ولا تقع في البحيرة رغم اتساعها
واعلم ان الحجر الذي ترميه لن تستطيع استعادته، والدوائر التي تنشئها لن تقوى على ارجاعها الى مصدرها

سنّة الحياة يا بني، ان تفنى الدوائر عند اطراف البحيرة
وكم من دائرة ايضا فنيت قبل ان تسير موجتها الاولى
ان الدوائر الفانية في مهدها تولّد حسرة وانكسارا وتلك التي تصل الى الاطراف، شعورا بالنشوة والانتصار ويبقى ذكرها حتى بعد ان تخرج من سهلك هذا

اجعل عودتك من السهل كدخولك اليه
تبسم في خطواتك الأخيرة قبل ان تدخل كوخي الصغير
فللأزهار مشاعر وللأشجار احاسيس
اُشكرهم على الالوان التي متعوك برؤيتها والعطر الذي اهدوك اياه
إعتذر لفراشة اخفتها في جريكَ كانت قد اعجبتك، وسامح نحلة طارت فوق رأسك فأرعبتك
ولا تقرب المُتسلقات



(سويسرا - سحماتا)
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600