صفحة البداية
عن الجمعية
حق العودة
عن سحماتا
أخبار سحماتا
مواقف ونشاطات
شهادات وذكريات
مقالات و دراسات
أخبار منوعة
فن, تراث وحكايات
قوس قزح
من رياض الثقافة
والأدب
أفلام وأغاني
صور سحماتا
دنيا الأطفال
تعزيات
روابط مميزة
دفتر الزوار
اتصل بنا
English

أحمد أيوب أيوب


شاعر ...وخطاط - بقلم: أحمد أيوب أيوب

.. من خيالنا نستطيع أن نكتب أجمل الكلمات ، أو نرسم الصور المدهشة ، أو نسرد القصص الطويلة الرائعة ، لقد خلقنا والخيال جزء من كياننا ، وبنائنا النفسي .

الشعراء ، القصّاصون ، الفنّانون ، والخطّاطون ، وجميع المشتغلين بالأعمال الإبداعية، يستخدمون الخيال الذي يتيح للواحد منهم أن يبتكر الجديد غير المسبوق ضمن مجاله الذي يعمل بــــه .

* * * * *


شاعر مبدع يستلهم كلمات قصيدته صوراً من خياله عن واقع شعبه المؤلــم، وينظمها كلمات صامتة على الـورق ، إلاّ أنها ناطقة وذات وقع موسيقي . لأن هذا الشاعر استطاع أن يجترح عبقرية خياله ، ويمزجها بعصارة فكره ، وفلسفته للحياة ، وخطّها بمداد مما يجري في عروقه ، ورواها ببلسم من شغاف قلبه ، وذهب بها للخطّاط ، فطرّزها له في لوحة تكاد تنطق بما تضمنته من كنوز معبّرة عن فكره وخياله ، وأخرجها له بمظهر كساه الخطّاط ملامح جمالية إبداعية شفّافة، وأطّرها له بإطار جميل. فكان كلّما رنا إليها الشاعر رأى نفسه بكامل أحاسيسه داخل تلك اللوحة .

ومضت سنوات العمر ....ورحـــل الشاعر .... وكذلك غابت شـمس الخطّاط ...بعد أن جف المداد بين أصابعه ورحــل .

ودارت الأيام ....اربعون سنة مضت أو يزيد .. بـــهـت بعدها لون الحبر، واصفرّ لون الورق . وتشاء الصدف ، ويالكثرة الصدف وغرابتها ، إذ كنت عند صديق لي ، ورث مهنة الخط عن والده ، عندما حضر إليه شاب يحمل بيده لفافة ورق ، اصّفر لونها ، وتآكلت أطرافها .

قدّ م الشاب اللفــافة لصديقي الخطّاط بروحانية وإجلال ، وكأنها وثيقة تاريخية نادرة يعتز بها ، ويحاذر في التعامل معها .. يفتحها بتأنٍ وانتباه ، ويلفّها بعطف واهتمام .

وقد خُط على هذة اللفــافــة الصفـراء قصيدة شعر ، كتبها والده الشاعر منذ زمن مضى ، وكان من خطّها والد صديقنا الخطّاط الذي أجلس عنده . إذ أن والده كان خطّاطا مخضرماً مَهِر في فنــون الخط في ذلك الحين . وهكذا تشاء الصدف مرة أخرى، أن ابن الشاعر قد أحضر قصيدة والده لابن الخطّاط، الذي ورث الخط بجدارة لكي يعيد له شباب تلك القصيدة ، على ورق جديد بخط جديد، دون أن يدري أياً منهما عن ذلك الأمر شيئاً .

ذهلت لهذه المصادفة الغريبة ( شاعر وخطّاط ، وابن شاعر و ابن خطّاط ). تصفحت القصيدة ، فغمرني حماس وليد، واعتراني إحساس يتخطّى فيه الإنسان تخوم العالــم الحقيقي . فعصفت العاطغة في نفسي ، وتفجّر الوجدان متأثراً بما كان يعتمل في فكر وخيال الشاعر، وببراعة ورهافة الخطّاط آنذاك . واللحظات والمشاعر والإنفعالات التي كانت تلازم كلاً من الشاعر أثناء تأليفها ،ونفسية الخطّاط ومزاجيته التي كانت يده تنساب حينها ببراعة وفن نادرين أثناء خطّه لها.

واليوم ...وبعد سنين طويلة، فإن الشاعر الذي جسّد كلمات قصيدته بمداد من قلبه، وبذبذبات ترجمت ما يجول في فكر ه وخياله ...والخطّاط الذي برع في إبراز جمال الكلمات بيده ، التي كانت تتراقص بالريشة ألمـــــاً على الورق، بإيماءات خفية ، متأثراً بتعابير تلك الكلمات الشاعرية . كلاهما اجترح مشاعره لنقرأها ونستشعرها، غير أنهما لـــم يدركا أن آخرين غيرهما سيأتون يوماً بعدهما ليتفاعلوا متأثرين بذلك اللحن الذي ابدعاه على الورق، ليضيفوا شيئاً جديداً إلى ما جاش في نفس كل من الشاعر والخطّاط من أحاسيس ، وما اعتمل في فكر كل منهما من مشاعر.

وعندها فإنّهم جميعاً يكونون قٌد التــقوا في هذة القصيدة ( الشاعر والخطّاط والقارىء ) وقد عبّر كــل منهم عن القصيدة بطريقته الخاصة .

لا تكتب بكفك غير باق
يسرّك في القيامة أن تراه

والخط يبقى زماناً بعد صاحبه
وكاتب الخط تحت الأرض مدفون



صيدا ـ لبنان
20/6/2009





العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"


® All Rights Reserved, ABNAA' SUHMATA Association
  Best experienced using MS Internet Explorer 6.0, Screen is optimised for viewing at 800 x 600