|
|
أحمد أيوب أيوب
فارس عوده - حجر حنظلة من سجيل ...... - بقلم: أحمد أيوب أيوب
البارود ...عندما ينفجر يعلو صوته ، وتشع ، وتنتشر رائحته .
والإيمان باللـــــــه ...عندما تقترب بشائره ، ترتفع رايـــــــة الجهاد ، وتعلو كلمة الحق ، وتدوّي صرخة اللـــــــه أكبر مــــن فـــم طفـــــــل الإنتفاضة ، مجلجلة تشق عباب السماء ... ( يومئذ تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاّ همسا ). ما أن نزل الجندي الإسرائيلي من حاملة الجنود شاهراً سلاحه، حتى لمح عن بعد طفلاً قادماً يجري مسرعاً نحوه يحمل بيده علم فلسطين . فاستعد الجندي مصوّباً رشّاشه باتجاه الطفل . وما أن أصبح على بعد خطوات منه حتىتوقّف كالأسد الجسور يرقب فريسته . اشرأبّت رقبته بكل ثقـــــة واعتزاز ، وبدت ملامح الغضب والعزة والعنفوان واضحة على وجهه .
وفجأة انحنى فارس إلى الأرض. والراية في يده عالية لم تنخفض . ومــا أن رفع رأسه والشرر يتطاير من عينيه ،حتى تراءت للجندي أن هامة الطفل قد استطالت وعلت ، وأن يده قد ارتفعت (عمـــلاقة قويــــة) متجاوزة نجوم السماء.
وفي لمح البصر ، رأى يده تعود قابضة على حجر من سجيل ، وتهوي بــه على رأسه . فرأى السماء تقدح ناراً أذهلــه وأطار صوابــــه . وسمع صوتاً كالرعد مزمجراً زلزل الأرض من تحت قدميه ... فولّى هارباً لا يلوي على شيء ، ولا يعي من أمره شيئاً . والطفل فارس .... وهو ( الفارس )
يجري خلفه بأقصى سرعة راشقاً إياه بحجارة مــن الغضب ....
أصيب الجندي الإسرائيلي بصدمة عصبية ، ولــم يصح على نفسه إلاًّ وهو راقد بالمستشفى على سريره.
تـــــم إعفاؤه من الجندية بعد أيام، إثر علم قيادة الجيش الإسرائلي بذلك . وأصدرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية قراراً يتضمن ( رصد تحركات ذلك الطفل وملاحقته والقبض عليه حياً ) . وجرى الإحتفاظ بالفيلم التلفزيوني الذي يحوي تفاصيل ملحمة الطفل البطولية ، وهو يطارد الجندي الإسرائيلي
وهو بكامل عتاده الحربي . بينما الطفل لا يحمل إلاّ علماً ، وحجراً ، وإيماناً ، وتصميماً ، وإرادة.
وجرى تحليل تلك الواقعة في مبنى جهاز المخــابرات العسكرية . وعممت صور ذلك الطفل البطل إسمه ، وأوصافه على الجنود والعملا ء . بينما الفارس يصول ويجول في ساحات المواجهة مع العدو من معركة لأخرى طالباً الشهادة. إلى ان كان يوماً بعد خمس سنوات من الرصد، والمتابعة ، والملاحقة المتواصلة حيث كان الفارس البطل يحمل
بيده زجاجة ( مولوتوف حارقة ) ويسارع الخطى وراء دبابة ميركافا إذ أطلق عليه قنّاص إسرائيلي كان يرصده عن بعد بمنظار رصاص رشّاشه الأوتوماتيكي، فاخنل توازن ذلك الطفل العمـــلاق ، وتمايل حتى كاد يقع، إلاّ أنه في لحظة من لحظات الإيمان والتحدي ، استعاد وعيه ، وقذف الزجاجة على الدبابة فسقطت في داخلها . وهوى البطل على الأرض مدرّجاً
بدمائه الطاهرة ،شيّع بعدها إلى مقبرة الشهداء .
ولـم تمض إلاّ ساعات من اليوم التالي ، حتى وصلت جرّافة عملاقة من سلاح الهندسة الإسرائيلية يرافقها عدد من حاملات الجنود ، توقفت أمام دار ذوي الشهيد ، حيث أخرجوهم من دارهم وبدأت الجرّافة في هدم الدار . وتهللت أسارير أم الشهيد ، مستخفّة بهم ، وعلا صوتها بالتهليل والتكبير ، شاكرة الله على نعمه وهي ترى العدو يدمّر بيتها ويجرفه ليصبح كومة من الحجارة. عندها .... انطلق لسانها مزغرداً زغرودة طويلة ، ورفعت كفيها نحو السماء قائلة : الحمد للـــــــه الذي شرّفني
باستشهاده ... وهنيئاً لك يا ولدي في جنات الخلد التي وعد اللـــــــه بها عباده الصادقين ..معزّزين مكرّمين .... وطوبى لكم يا أطفال الإنتفاضة ، حجارة بيتنا مدداً لكم من اللـــــــه سخّر لها عدوكم لتكون حمماً من سجّيل ترشقونه بها .
فليدمروا ما شاءوا من البيوت. وليجرفوا ما شاءوا من الأشجار، فلن نتوقف عن رشقهم . فنحن شعب لن يموت ، نعم.. نحن شعب الجبّارين. ولنا إرادة لن تلين. حتى نحقق نصر اللــــه الذي وعدنا بــه .
وعندها ستزهر أشجار الزيتون .
2005
|
العودة الى صفحة "فن, تراث وحكايات"
|